هل بيتنا فندق؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هل بيتنا فندق؟

  نشر في 27 يونيو 2023  وآخر تعديل بتاريخ 27 يونيو 2023 .


قبل الزواج يحلم الشاب عادة بحياة زوجية خالية من الضغوط والتوتر. يتخيل أنه في نهاية كل يوم سيعود من العمل لتستقبله زوجته على الباب بحرارة، ويدخل البيت فيجده مرتبا ونظيفا، وتدعوه الزوجة للاسترخاء لحين تحضير وجبة العشاء.

وعلى العشاء يدور حوار ممتع وبدون خلافات، ثم تتمشى الأسرة قليلا في الحديقة المجاورة قبل أن يخلد الجميع لنوم عميق. قد يبدو هذا الوصف مضحكا اليوم لدى بعض الأزواج، لكن إن لم يكن هذا ما يحدث حقا في بيوتكم، فإن زواجكم يواجه مشاكل خطيرة. هذا ما يؤكده ويلارد.إف.هارلي، عالم النفس وخبير العلاقات الزوجية.

في وقت مضى كانت المرأة تتولى مسؤوليات البيت ورعاية الأطفال، بينما يهتم الرجل بضمان دخل مادي للأسرة. أما اليوم فيزداد عدد النساء العاملات خارج البيت.، لذا صار من الواجب على الزوجين أن يتشاركا في أعمال المنزل. إلا أن هذه المسؤولية تبدأ برغبة متبادلة بينهما، ثم تنتهي بأن تتحمل الزوجة كل أعباء البيت، خاصة بعد أن تضع طفلها الأول. وهنا تبدأ الخلافات والمشاكل التي تدفع بالزوج لأن يقضي أطول فترة خارج البيت.

ما هي إذن أهم الأسباب التي يُرشحها الأزواج كمبرر لقضاء وقت أطول خارج البيت ؟

يشكل الطفل حديث الولادة عبئا بالنسبة لبعض الآباء. فرغم أنهم لا يُخفون سعادتهم بقدوم أول مولود، إلا أنهم لا يتحملون صراخه المستمر وإزعاجه، خاصة بالليل. ففي دراسة نشرها موقع ديلي ميل يخسر الآباء حوالي 2.9 ساعة من النوم كل ليلة، أي ما يعادل 44 يوما من ساعات نومهم المعتادة خلال العام الأول للطفل. وينضاف إلى ذلك حالة البرود في العلاقة العاطفية التي تحدث بعد الولادة، حيث تحتاج المرأة إلى "هدنة" تجعلها أقل إقبالا على العلاقة العاطفية مع الزوج، فيفسر الأمر على أنه نوع من الرفض يدفعه للانسحاب.

السبب الثاني هو الوضع المالي المريح.. فالأزواج الذي يكسبون أقل هم الأكثر استعدادا للبقاء بالبيت ومساعدة الزوجات في الأعمال المنزلية.. مقارنة بالأزواج الأعلى دخلا أو الأثرياء. ويرجع ذلك بحسب دراسة أجراها باحثون بجامعة أوريك البريطانية إلى أن موقف الأزواج من المساواة يعتمد على مقدار ما يكسبون. فرغم أن زوجاتهم بحاجة إلى مساعدة إلا أنهم يكتفون بتوفير المال اللازم لمصروفات البيت.

أما السبب الثالث فهو صمت الأزواج، وعدم الاهتمام بتطوير مواضيع مشتركة عاطفية أو ثقافية أو اجتماعية بين الطرفين. إما بسبب فارق السن أو اختلاف العادات.. وأحيانا نتيجة الزواج التقليدي. وهذا النوع من الصمت تعتبره مجلة (بونته) الألمانية آفة العصر، لأنه يقف خلف 79% من حالات الانفصال.. حيث بينت دراسة منشورة بالمجلة أن الأزواج يتبادلون الحديث مع زوجاتهم لمدة 28 دقيقة في الأسبوع، حتى ولو لم يكن هناك خلاف. وأجريت الدراسة من خلال تثبيت ميكروفونات صغيرة في لباس مئة زوج لتسجيل الحوار الذي يدور بين الزوجين خلال أسبوع.. مع حذف الأصوات غير المفهومة والكلام الذي لا صلة له بالحوار. وخلصت إلى أن الأزواج الصامتين هم في العادة ثرثارون خارج البيت، بل إن بعض الزوجات فوجئن بمهارة أزواجهن في إدارة النقاش، وسعة ثقافتهم المعرفية في الأماكن العامة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي !

حين تتزايد عوامل التشتيت والشكوى من المهام غير المكتملة داخل البيت فإن أغلب الأزواج يبحثون عن قسط من الراحة خارجه. وتفعل الزوجات نفس الشيء حين يقضين وقتا أطول في فضاءات عامة، تسمح بخلق صداقات مع نساء أخريات، كمراكز التسوق وصالات التجميل وغيرها. وهنا يقتحم الجليد عش الزوجية، وتبدأ جدرانه بالتصدع، وسقفه بالانهيار.

كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الرجال، وكان يتعبد لله تعالى بمشاركة زوجاته أعمال البيت. ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج.

من قيمنا الإسلامية الجميلة أن يكون للزوج لمسة داخل بيته،فمساعدة الزوجة في رفع الأثاث أو غسل الصحون أو إخراج القمامة من البيت هي لغة حب ثانية، لكن يحتاج الأمر إلى تفاهم وأسلوب ذكي.

يقترح ويلارد هارلي أربع خطوات لتصبح أعباء المنزل متعة مشتركة بين الزوجين وتساهم في البقاء بالبيت:

الخطوة الأولى أن الزوجين يضعان قائمة بكل مسؤوليات البيت، وبعد كل مدة تتم إضافة مهام جديدة إذا لزم الأمر.

والخطوة الثانية أن يختار كل واحد منهما المهام التي يفضل أداءها، أو تلك التي يستمتع بها.

والخطوة الثالثة إذا بقيت مهام من القائمة لم يخترها أحد الزوجين، فالواجب هنا تغليب مصلحة الأسرة وأداء مهام إضافية لأنها مهمة حتى وإن لم تكن ممتعة.

أما الخطوة الأخيرة فهي أنك ترتقي بأداء المهمة إلى مستوى بنك الحب، تقوم بها لأنك تحب الطرف الآخر وتهتم بمشاعره، فيصير القيام بأعباء البيت كأنك تودع رصيد في بنك الحب.

أما قدوم طفل فهو ثمرة سعادة زوجية، وطموح لاستقرار وبناء أسرة.وهذه مسؤولية الزوجين معا. الصغير بحاجة إلى جو من المشاعر الإيجابية، والدردشة المفعمة بالدفء بين الأبوين. أما حين يتحول البيت إلى فندق صامت فهذا يعرقل النمو النفسي للطفل ويحد من نشاطه الإبداعي.. تقول دراسة أجراها باحثون بجامعة الشمال الغربي الأمريكية أن نسبة إصابة الأطفال بالاكتئاب تصل إلى 30 بالمئة نتيجة وجودهم في بيئة صامتة، لا يوجد بها ضجيج ولا ثرثرة.

وحتى يستعيد البيت دوره القديم في الارتباط الوثيق، والاجتماع حول سفرة الطعام، والدردشة والمناقشات. فعلى الزوجة أن تصبح صديقة لزوجها، أن تمنحه حرية واستقلالية وتتوقف عن توجيه التعليمات والنصائح. حين يشعر الزوج أنه تحت دائرة مراقبة وليس على حريته يلجأ إلى عالم الأصدقاء، لأنه بحاجة إلى مساحة يفكر فيها دون قيود أو تدخل.

تنصح "ميغان ويكس" خبيرة العلاقات الإنسانية الزوجة:" دعيه يخطئ وأعطيه مساحته.. فكثرة توجيه التعليمات تجعله يشعر بعدم الأهمية.. وتكرار اللوم يجعله يبتعد".

ومن طبيعة الرجل أنه بحاجة إلى الاستقلال، والانسحاب مؤقتا ثم العودة. وهي دورة عاطفية لابد أن تفهمها المرأة حتى لا تتسبب في مشاكل تُعمق هذا الابتعاد، ويتحول إلى هروب من البيت.

يشَبّه جون غراي الرجل بشريط من المطاط، عندما تسحبه بعيدا فإن يبتعد إلى أقصى ما يمكنه، ثم يرتد مرة أخرى باندفاع. وهذا الأمر ليس اختيارا بل هو شعور غريزي، ولا يعرف الرجل كيف يفسره، لذا تخلق المرأة أحيانا مشكلة مما يُعزز رغبته بالهروب.

بعضكم يت،ذكر حادثة الرجل الإيطالي الذي خرج من بيته بعد شجار مع الزوجة. كان يريد أن يُهدئ أعصابه فمشى 450 كيلومتر دون أن يشعر، ولولا أن الشرطة أوقفته بسبب خرقه حظر التجول، ثم اكتشفت أن الزوجة أبلغت عن فقدانه قبل أسبوع فربما دخل موسوعة غينيس دون أن يشعر!

الزوجة لما تصير صديقة فهي تكسب شريك حياتها وتقلل من رغبته بالابتعاد. يعود إليها ويشاركها اهتماماته، ويأخذ رأيها في شؤون حياته، وهكذا تخلق جو من الحرية داخل البيت يساعده على البقاء.

إن إبعاد الملل عن عش الزوجية مسؤولية مشتركة بين الزوجين. ويحتاج الأمر لأفكار جميلة تشجع على متعة البقاء بالبيت، كتحضير سهرة لطيفة، والاهتمام بالمظهر، وتجهيز عشاء رومانسي تحت إضاءة خفيفة، يتذكر به الزوجان لحظات السعادة الأولى.

تصرفات بسيطة لكنها تجدد الحياة الزوجية، وتعزز الشعور بالمكان. وبمناسبة المكان فإن البعض يعتقد أنه كلما كانت مساحة المنزل كبيرة سيكون أفضل للأسرة، لكن الدراسات التي أجراها بعض خبراء التصميم الداخلي للمنازل تؤكد أن إحساس الفرد بالمكان هو الأهم.

حين يربطك بالبيت شعور بالسعادة والقرب والانسجام فإن العلاقات داخله تصبح أهم من توسيع المكان.

بسبب التنشئة الخاطئة يعتقد الرجل أن بقاءه بالبيت فترة طويلة لا يليق برجولته. وفي الشام يطلقون اسم "البيتوتي" على الزوج الذي يفضل مكوثه بالمنزل مع زوجته. لكن أمثال هؤلاء في مملكة الحيوان هم آباء رائعون بالفعل، فرغم الظروف القاسية التي يواجهها طائر البطريق إلا أنه يتقاسم مع أنثاه رعاية البيض. تضع الأنثى بيضة واحدة ثم تُسلمها للذكر الذي يعتني بها لفترة قد تبلغ أربعة أشهر، يُبقيها على قدميه أو ينام فوقها ليحميها من برودة الثلج، ويصوم حتى عودة الأم لتغذية البيض الفاقس

وفي مناطق تبلغ فيها البرودة مستويات قياسية، يتمتع البطريق بعمر طويل، ورابطة زوجية هي الأكثر دهشة في عالم الحيوان.

وتبقى المحبة مفتاح البيوت السعيدة، وستارا شفافا يحجب عن ساكنيها الهموم. يقول جبران خليل جبران: إذا أشارت إليكم المحبة فاتبعوها، وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها، وإذا خاطبتكم فصدقوها، المحبة لا تعطي إلا من ذاتها، ولا تأخذ إلا من ذاتها !



   نشر في 27 يونيو 2023  وآخر تعديل بتاريخ 27 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا