إلى غابرييل 5 .. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إلى غابرييل 5 ..

رسالة أخرى

  نشر في 24 يونيو 2023 .

الثامن عشر من حزيران 2023

يقتادني طول هذا المساء مكبلا إليكِ.

فلا أجدُ غير الشّرفة مكانا لأُمزّق شرنقة التفكير بكِ و أحاولُ و لو لمرة واحدة أن أُجَرب التحليق بدونكِ.

غير ممكن، بل مستحيل هو الهروب إلى مكان لا تكونين به يا عزيزتي .

مثقلٌ بك، أحملك معي أينما حللت، حاضرة وموجودة دائما، ترافقين كل خطوة أخطوها بممرات الذاكرة.

ذاكرة قوية أوجعتني بكِ، ذاكرة تعشق التفاصيل و تمتهن تعذيبي بكل ما عشناه من أيام ماضية و لحظات مستعصية على النسيان.

أي إتفاق ذلك الذي وقعتِهِ مع ذاكرتي؟

أي مبالغ دفعتِها لتتجاوزي حراس قصري بل قلبي ؟

كم من الإغراءات قَّدّمتِ لينقلب الجميع ضدي و أهوي على هذا النحو الغريب؟

أنا الذي كنتُ الملك بالأمس فأي قوة خفية تلك التي تجعل من الملوك بيادقا فوق رُقعتكِ؟

أُشَّغل من المسجل أغنيةً أصبحتِ المفضلة عندي..

Photograph ..

بصوت هادئ يقول شيرن في مطلعها:

loving can hurt, loving can hurt sometimes, but it's the only thing that I know ..

هي كذلك المحبة، تؤذينا وتؤلمنا أحيانا، بل وتقتلنا أحيانا أخرى.

تطوي قلوبنا و تُقَطِّعها وتعبث بها كما يعبث الأطفال بالورق المقوى .

وهذا الشيء الوحيد الذي يعرفه كل من تذوق من كؤوس الحب وإنتشى من أقداحه.

أذكر أني قرأت بالسابق قِصةً لقيس بن المَلوحِ، مجنون ليلى كما كانوا يطلقون عليه، وكنتُ أتساءل ساخرا من قِصتِه تلك..

كيف يصل به الأمر إلى عتبة الجنون؟

حتى يتخلى عن جل ثروتهِ ومقامهِ وأرضه وعائلته، ويعري روحه أمام سياط الهيام، مستسلما و مسلما أمام جلداته المتكررة.

فيغدو مجرد مجنون يجوب الصحاري، يقول أشعارا ويتَغنى بليلى بكل مكان ويكتُبها ورقا و يُوقدِ الفُراق و البعد و الشوق بينهما كلمات و حروفا من دمٍ و نبض .

لا أكذب عليكِ..

قبل أن ألتقيكِ...

كنتُ أرى قصة قيس و ليلى مستفزة إلى حد ما..

و أقول بنفسي كيف للحب أن يقتل أحدا.

أي الجرائم هته التي تحدث تحت مسمى الحب و التعلق و الإدمان.

كنت دائما أُنكر الفكرة بداخلي و أقول عن قيس مُنتفظا:

لا هذا غير معقول، كم كان أحمقا، أي تعلقٍ، أيُّ حبٍ هذا الذي يجعل منا مجرد أجساد هائمة في صحاريه الشاسعة؟

أيُّ قوةٍ خفية تلك التي تقتلنا تحت أشعة شمسها الحارقة و تُحولنا من أشخاص عاديين إلى فئة من الحمقى والشعراء والمجانين.

لم أؤمن بشيء إلا بعدما عرفتك، بعدما أحببتك، بعدما افترقنا و أخذ كلٌ سبيله.

غابرييل أيتها الغالية..

ألهذه الدرجة أصبحتُ مجنونا بكِ؟

رحيلكُ جعل مني قيسا آخر...

مجنون آخر ضائع وسط دهاليز مدينة كانت مدينتنا و كنتِ أنتِ الشمس التي تكسر ظلمتها ذات يوم.

أيُّ مصيرٍ ينتظرني؟

و أي صحراء ستحملني؟

و هل سأترك لك رسالة أخيرة؟

بيتا أو قصيدة، أو حرفا أخيرا أعبر به عن وفائي و صدقي، و ربما عن جنوني و حمقي...؟

لا أدري..!

مُنهار بهذا المساء و كأني أحمل العالم كله فوق ظهري، لا أدري ما الذي يحصل معي، أصابع الكآبة تزحف فوق صدري وتجهز علي فجأة مثل حبل مشنقة تلفني و تخنقني ببطء متعمد.

كنتُ ألغي كل الإحتمالات في أن تكوني مجددا خلف كل ما يحدث لي..

و اقول بنفسي، ربما أنا متعب فقط أو لربما هي حرارة و جنون الشمس بهذا اليوم كانا السبب وراء كل ما يحصل.

لست بخير، مذ كان علي أن ألقيّ نظرة على التاريخ بشاشة هاتفي.

نظرة واحدة كانت السبب خلف كل التقلبات التي عصفت بي هذا المساء، حيرة و ارتباك و حزن غير مبرر..

في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، كنت أسيرا بتلك الثكنة اللعينة، أتخبط مثل سمكة قذفها المحيط بعيدا عن شطآنه.

هناك تلقيت نبأ وفاته مثل قذيفة قصفت بي و دمرت أركاني.

بذلك المكان دفنت جزءا مني و عدت أجر معي خيبتي و ما بقي مني ...

أجلس إلى جدتي، أراها ساهمة بالنافذة ، و يبدو الإجهاد جليا بوجهها..

أسألها :

ما الذي يجري معك ؟

تصمت لبرهة و كأنها تفتش عن كلمة مناسبة لتلك الثورات بداخلها، ثم تقول بصوت مخنوق و غير مسموع:

تائهة يا بني، تائهة..

هي تذكر جيدا هذا التاريخ المشؤوم، تحفظه عن ظهر قلب، و تنسى الكثير من الأشياء.

أي ذاكرة لعينة تلك التي تصر على إقحامنا في معاركها دائما، تلك التي تحتفي بالحزن و تمجد خطى الراحلين ..

نظرت إلى وجهها الذي فقّد لونه، إلى عينيها التائهتين المبعثرتين، يغمرهما الشتات و يطوقهما الحزن بغيمة ضبابية..

لقد كانت منهارة و ضائعة و هي برفقتي، أي ضياع هذا الذي يخلفه الفقدان فينا.

لقد أحسست بكلمتها لأول مرة، أحسست بكل حرف قالته...

كنت أدرك جيدا مغزى ذلك الشعور المبهم من الضياع و الحيرة .

معك جربت كل شيء، نعم كل شيء أيتها الشقية.

هكذا يفعل بنا الفقدان، أحس أن بداخلي إمرأة مكسورة تشبهها، قطع أحجية مبعثرة أنا في غيابك، أحس أن كل الأماكن تطردني إلى اللامكان...

فأبدو مثل المغفل، أذرع السطح ذهابا و إيابا دون داعٍ.

موحش هو السطح بدونك، مظلم هو المنزل في غيابِه و غيابكِ ..

لقد استطاع كلاكما أن يُسجل أهدافا بشباكنا و يغادر تاركا بها العديد من كرات الذكريات لتوجعنا .

هكذا إنتهت المباراة يا غابرييل ...

أتوقف عند مقطع من تلك الأغنية، يقول:

الحب هو الذي يجعلنا نحس أننا على قيد الحياة.

و أقول لكَ أيضا:

هو الذي يقتلنا آلاف المرات يا صديقي شيرن.

آرثر



  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 24 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا