ذاكرة المطر ..
واقف هناك تحت المطر ...
نشر في 13 يونيو 2018 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
واقف هناك تحت المطر احاول ان التقط من الارض كلمات تحتضر ..
حروف مبللة و افكار ذابت مثل مكعبات السكر وسط ازدحام قطع المطر
..كان المطر يزداد عزارة و عزف السماء على اوتارالغيوم يزداد حدة .
.عزف غير مألوف و انغام جميلة تعبر الآذان بلا إستئذان
اي رائحة تلك التي كانت تطرق أبواب الأذهان فتأخذنا بسرعة الضوء في رحلة عبر الزمن تغوص بنا في أعماق الذاكرة لتضيء بداخلنا الأزقة و الأروقة و تزيل عتمة النسيان...... بلمسات سحرية تمسح الغبار المكدس فوق رفوف الذاكرة و تهدينا لحظات بلا عنوان..
لقد كانت رائحة الغبار و هي تتصاعد شيئا فشيئا و يتصاعد معها عبيقها ممزوجا و محملا بحب هذه الأرض ..ينعش ذاكرتي حقا و يرقع بداخلها ثقوب أحدثتها الأيام
.كنت اترك كل شيء من ورائي و أحلق بروحي مغردا الى محطات زرتها و أماكن مررت بها ذات يوم و تركت على جدرانها شيء للذكرى الاخيرة ..كانت مجرد لحظات و لكنها استطاعت حقا ان تعيد إلى جسدي الضعيف شبابي المفقود بين عقارب الزمن
..وسط كل ذلك الصخب الهاديء و كل ذلك الحشد ..كنت انا واحدا من بين الحضور اجلس في الصف الامامي للقاعة فمن عادتي ان أقتني التذاكر لحظة بيعها لأحظى بالمقاعد الأولى في قاعات العرض
.كنت أنانيا أم ان نظرة الآخرين إلي كانت كذلك
..أحب أن أدخل في كل شيء أن أتعمق بعيني و أغوص بشاشة العرض
.....ان اعيش كل لحظة و كأنني جزء من تلك المسرحية او طرف في ذلك الفيلم ....
كنت اكره ان يقاطع شخص تفكيري او يفصلبيني و بين العرض الأخير ..
في كل عرض او مسرحية تقيمها السماء و الغيوم في غياب الشمس .. كنت الحاضر الوحيد في تلك القاعة .. انظر الى المقاعد من حولي و هي فارغة على آخرها ..كان الفراغ و السكون يملآن القاعة .
.......عرض بدون فشار ..او تثاؤب او تصفيق ..عرض بدون دموع أو ضحكات تبدد سكون المكان..
اسئلة كثيرة تتهاطل علي ...
.هل كنت انا الوحيد في كل عرض و لم انتبه
..هل كنت المستمتع الوحيد بتفاصيل كل مسرحية و كل جزء من مساحة تلك الخشبة ..
اظن أنني أخطأت و اقتنيت كل التذاكر المتعلقة.. بكل عرض ..
او لعلي كنت احاول ان أبين للجميع اني اناني فوق الوصف .
....هل كنت انا الوحيد الذي يستهويه هطول المطر ..
رميت بمضلة الأسئلة جانبا ...
. فلم يعد يهمني شيء اكثر من مواصلة العرض
..واقف هناك تحت المطر ....
. و سأظل هكذا ....
. لا يهمني إن تبللت ..او تجمدت ..لا يهمني كلام المارة و هم يقولون مجنون هذا الذي يقف هناك تحت غضب المطر .. .. رميت معطفي جانبا ..لتكون لوحة الجنون واضحة في نظرهم أكثر .. وواصلت مشاهدة العرض و لم اهتم ..
. وبقيت هناك في قارعة الطريق
.اغلقت عيني و فتحت عقلي
و تركت ذاكرتي ترقص على موسيقى المطر فانا لم اعد اهتم لكلام البشر.
.فقط .. جذبني حديث ..لفتاة وهي تنظر إلي من وراء بلور النافذة ..وتسأل امها ... ما قصة هذا الشيخ مع المطر يا أمي .. ردت عليها الام قائلة ..إنها جرعات الحنين المضاعفة يا إبنتي .... لا اظن انك ستفهمي هذا . فالطفولة جزء جميل من حياتنا .. تتوغل مثل جذور الشجرة باعماقنا .. نكبر نحن و تتفرع جذوعنا و اغصاننا و تتفتح عقولنا .. مع مرور الزمن تتلاشى جذور الطفولة شيئا فشيئا من اعماقنا ..و لا يبقى منها الا القليل . القليل .... .
سفينة من الذكريات .. .. .تغادرنا في حين غرة و تتركنا هكذا ... لوحدنا ..
نعيش بنصف ذاكرة . بنصف حلم . و ..... .بنصف ضحكة ..
عبدالغني موساوي
-
Abdelghani moussaouiأنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
التعليقات
مبدع ، استمتعت بالقراءة .
تكتب بمنتهى الجمال يا أخي..عندك لمسة خاصة..أحب القراءة لك