العقل يجمع الناس والفهم يفرقهم.George Hegel
كثيرا ما يتبادر على أذهان المفكرين في علوم الفلسفة والمنطق وفيزياء الكم سؤال الوجودية حينما أجمع جمهور المفكرين على أن كل ما نراه ليس إلا تصور نابع عن مكنوننا الشخصي حينما نقرأ لهيجل نجده يقول مقولة بها من الغموض -على الرغم من بساطة الألفاظ والابتعاد عن الجزالة - ما قد يوقعنا في دوامة من التفكر والتأويلات هذه المقولة هي : "إن الفرق بين الوجود المطلق والعدم المطلق هو ذاته الفرق بين الفكر في شيء والفكر في اللاشيء " .
للتيسير على القارئ أتذكر اختبار ورقة الروشاخ في قراءة الحبر المائي على الورق ذلك الاختبار الذي يستعمله الطبيب النفسي في تحليل مرضى النفس بناء على تصور هذا المريض لبقعة الحبر على الورقة فيرى بمنظوره الشخصي تشكلات سطحية وفق رؤاه وطبيعة شعوره الذي يختلج في مكنوناته الداخلية هذا بالضبط ما يعنيه هيجل في أن العقل واحداً لدى الناس جميعا لكن تصوراتنا لما حولنا ما هي إلا الأثر الذي نتركه على الأشياء حينما ننظر للسماء نبصر تلك النجوم ونتصور بعض الأشكال الهندسية فالعاشق مثلا - وأعتذر على بداهة التشبيه - يرى في النجوم شكل القلب وكذلك قد يرى الفقير في تلك النجوم ما قد يشبه رغيف الخبز أو مدفئة الحطب لكن بالفعل هي ليست أكثر من تصور ساذج تبعثه ذواتنا لما حولنا لكن ما قد أزيده على ذلك أن هذا كما أثبتت الدراسات العلمية الدقيقة ليس إلا أثر النجم حينما كان في هذا الموقع إذن نحن لا ندرك الأشياء على حقيقتها بل ندرك ما تركته هذه الأشياء من أثر نراه ببداهة الطبيعة البشرية .
حينما يقرأ المستبصر كتابا في التاريخ فإنه لا يرى الأحداث التاريخية كما هي بل يقرأ ما تركته هذه الأحداث من أثر أخضعته ذواتنا لآيدولوجياتها التي نعتد بها لكن ما يجب أن نتساؤله هل نحن قد وصلنا للحقيقة الوجودية لتلك الأحداث التي كانت في تلك الحقبة بدقة معايشها بالطبع لا نحن .
في علم الميثيولوجيا الحديث نفسر التصورات الإنسانية حول معمّيات الأمور حينما كان الفكر القديم يعالج المعمّيات بتأويل الأمور بالاتجاه الأسطوري فكانوا يرون بها أن شروق الشمس وغروبها أسطورة قد تصل لدرجة الألوهية على أنها تمنحهم النور والدفء وتحمل القوة والعظمة تلك كانت تصورات أجدادنا ببساطة معطياتهم الذهنية في تلك الفترة من الزمان ومع تطور العلوم على هيئة لا سابق لها أصبحت المدارك تتوسع وزادة المعمّيات والتساؤلات أكثر فأكثر ليصبح الحاجز بين الصواب والخطأ ضئيل جدا ومرن بنفس ذات الوقت خاضع كما أوضحت لتصوراتنا ومرجعياتنا التي نختلف فيما بيننا على أحقيتها في الوجود .
في عنونة المقال إشكالية لابد من ذكرها حتى لا يستغلق على القارئ فهم النص عبثية الوجود يقصد به عبثية المدرَك الخاضع لمنظومة الذات ضمن تأولات باطنية تفرزها أدمغتنا ضمن أطر رُسمت حدودها بوساطة مرجعيات الثقافة و المنهج والأيدولوجيات المختلفة وأمور لا حصر لها مما يحول المدرَك إلى ضرب من العبثية بعيدا -على هذا المنوال - عن التصور الأقرب للمدرك وللحقيقة أما العدم فهو ليس ما قد يفهمه البعض مرادفا للخواء فتسمية الشيء أبسط طريقة للاعتراف به على أنه جزء من مجهول لا تدركه أنت لمحدودية قدراتك الذهنية التي تقيدها كل العوامل التي سبق ذكرها لذا تصبح العدمية المتشكلة في كل ما هو مجهول أكثر نظامية من مدرك جُهلت أبعاده لعوامل ذاتية أخضعنا بها ما حولنا ثم في الحديث عن الفرق بين الفكر في الشيء والفكر في اللاشيء فهو باختصار هو أن الفكر البشري قائم على مبدأ عمودية التراكم في تقبله لما حوله فكل ما نعترف بصحته نضعه موضع الشك إلى الحين الذي نكتشف به ما هو أكثر صحة منه لنترك الأول ونتمسك بالثاني وهكذا دواليك سنة الفكر البشري إذن العلاقة بأبسط أشكالها بين الوجودية والعدمية هي صراع التناقض بين المدرَك وغير الَمدرَك .
-
مذكرات قلبأنا لا أقرأ لمجرد القراءة مهمتي هي الشك في كل ما هو مطروح أمامي فأستحسن البعض استحسانا تاما وأناقش البعض الآخر وأرفض ما لا يتماشى مع قناعاتي الثقافية الحقائق ليست في الكلمات بقدر ما قد تكون كامنة في الفراغات البينية التي ...