إلى غابرييل 16 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إلى غابرييل 16

رسالة أخرى..

  نشر في 25 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 25 يوليوز 2023 .

"من قال أن الكلمات لا تفعل شيئا؟ إنها تلمس وتُغرق وتُنقذ وتُدفئ، تجعلك تطير وتتسع، وأحياناً تلصقك في الأرض لتتمزق.."

      - أحمد خالد توفيق

الثاني و العشرون من تموز 2023

غروب باهت، ونافذة مواربة.

أُراقب عن كثب حركة أغصان الشجرة المتموجة في الفراغ، و أنا غير قادر على إيقاف عبثية الرياح و هي تتلاعب بها و تهزها بكل الإتجاهات، تماما مثلما فعلت الأقدار معنا، مثلما كسرت الكثير من الأشياء بداخلنا .

مساء آخر يرتدي ملامح الأمس ذاتها

لم يعد ذكر الوقت بهِ مهما، ما دمتُ أفكر بكِ طوال الوقت.

لا شيء ملهم هنا، كل ما أفعله بهاته المدينة هو مواصلة الغرق لا أكثر.

غابرييل أين أنت الآن؟

كيف كانت رحلتكِ التي افسدتها بحضوري وسطوة حرفي الذي لم يترك لك مجالا لدفعي خارج نِطاقات تفكيركِ، لمنعي من إقتحام حدودكِ؟

أتساءل دائما بيني وبين نفسي عمّ تفعلينه؟ و لا أجد لفضولي الدائم حبالا أشّد بها على جموحه و رغبته الموقدة في إختراق أسوار حياتكِ..

كيف هي الحياة عندكِ؟

فارغة؟

أم تحاولين إعمارها بساعات العمل الطويلة، وإشغال نفسكِ بأشغال المنزل اللامتناهية

أحيانا أقول أني مغفل، وأحيانا اقول أني أبالغ في بوحي..

أحيانا أقول أن وجودي يضايقكِ، و في كل مرة أحاول أن أبتعد عنكِ، أو أن أشيِّد جدارا فاصلا بيننا، أتكئ على جدار وأُسقط آخر دون قصد، وتكملين أنتِ ما بدأتُه بإتصال أو مكالمة نهدم بها كل الجدران الوهمية التي ظننا بغبائنا أننا شيدناها ذات يوم .

أحيانا أحس أني أشبه كثيرا هاته الغيمة الصيفية التي تغطي سماء مدينتي، أغطي أنا مساحات قلبك، فلا أنا أمطرتُ بأرضكِ و لا هي رياح النسيان دفعتني بعيدا نحو مدن و أراض و أواطان أخرى .

غابرييل

ماذا أفعل بدونك؟

ماذا أفعل؟

غير إنتظاركِ، و أنا مدرك وموقن أنكِ لن تأتي..

فلم نعد نأخذ نفس القطار أو نقطع نفس التذكرة لنفس المكان.

إختلف الإتجاه و لكن نبض السفينة بقي نفسه يخفق و يضرب بقوة، ربما حتى هذا لم يعد ذا فائدة كما قلتِ..

ليس بالضرورة أن كل قلب ينبض، يعني أن صاحبه على قيد الحياة..

هناك قلوب تنبض لأجل اللاشيء، لللاحياة..

كقلبي ..

ماذا تفعلين الآن، كيف هي حديقة منزلكِ؟

هل من طريقة وجدتها لترتكبي جرائما في حق زهور فنائكِ دون ندم، دون بكاء، دون ألم؟

هل من خلطة سحرية توصلتِ إليها لتخليصنا من القيد؟

هل من خطة أو مخرج للهرب من هذا السجن؟

أم أني السجين الوحيد، الذي لم يملك الشجاعة الكافية و لا الخريطة الكاملة لوضع قدم خارج جحيم قضبان التعلق و البعد و الحنين و الوحدة اللعينة التي لم تكتفي بإبعادي عنك بل زادت من هوة البعد بيننا أكثر و أكثر..

أحيانا اقول أني يجب أن أغادر كل شيء وأرحل منك و مني و من مدينتي و عائلتي دون أن أترك أي اثر خلفي، أن أَقلبَ صفحات الماضي التي استنزفتني وأبدأ في مكان لا يعرفني به أحد و لا أعرف أحدا.

مكان أولد به من جديد..

وأحيانا أقول أن علي البقاء وإغلاق كل نافذة بيني و بينكِ، أن أحطم مثلا كل صندوق بريد يقود إليكِ، أن أقتل كل ساعي بريد وأبيد كل الحمام الزاجل و أهشم كل زجاجة حرف تطفو نحوكِ.

لم أقُم بشيء، كل الإحتمالات كانت غير محتملة على نحو ما، كل الإحتمالات كانت أنتِ، لم يكن هناك شيء سواكِ.

كنتُ كلما حاولت إقصاءكِ وحذفكِ، أجدني أحذف جزءا مني، أبحث بقائمة الموسيقى عن بعض الأغاني التي شاركتكِ، أحدد علامات عليها و أضغط الزر للحذف، ولكني سرعان ما أتراجع بآخر لحظة ..

لم تكن تعنيكِ وحسب، إنها تعنيني أيضا..

أجدكِ بكل لمسة، بكل صفحة كتاب أو لحن.

تسكنين كل ركن، كل سماء و كل مساء، وكل رائحة و كل نبض.

كنت أقول دائما ..

عَليّ أن أنساكِ، أن أُحرّر الذّاكرة من قيودكِ، من صوتكِ من صوركِ، من نظراتكِ، من كلماتكِ من رائحةِ عطركِ، أن أذيب جبلكِ الجليدي العالق بداخلي وأمضي بقارب نحو محيط آخر وشاطئ لا أجدكِ به.

في كل رحلة كنت أقطعها لأنسى كنتُ أتذكر ما أريد أن أنسى.

فتكونين أنتِ دائما بالواجهة، تضحكين بصوت عال على غبائي و جهلي، وقلة حيلتي و عجزي..

أَكتب لكِ دائما رسائلا، ودائما أخفيها عن فضول ساعي البريد، أحيانا أحذفها و أحرقها أحيانا اخرى..

غابرييل..

كيف حالكِ..؟

لستِ بخير، و أنا أيضا متعب أحيانا، حزين دائما، وأفكر طوال الوقت.

كيف استقبلتكِ مدينتكِ؟

كيف كان الترحيب؟

حدثيني عن مونتريال، كيف وجدتها؟

و هل مازالت شوارعها تقدس المهرجانات و تصدح بموسيقى الجاز بكل زقاق.

كيف هو الصيف عندكِ؟

و هل يقارن بصيف وطنك وشمسه الحارقة؟

لا أظن.

هل مازالت شمس الصيف عندكم تشبهني، باهتة حد الإنطفاء؟

بالأمس فقط قَلَبت مكتبتي رأسا على عقب بحثا عن كتاب كنت قد تشاركته معكِ ذات يوم، ووقعتْ عيناي على كتاب قديم لا أذكر أني قرأتهُ من قبل ..

لم يكن عنوانا مميزا إلى الحد الذي تتوقعين و لكنه على نحو ما أتى في وقته المناسب.

أتعرفين!

بدأتُ القراءة للرحالة إبن بطوطة، و قد راقتني حكواته ورحلاته جدا.

أُسافر كل يوم معه نحو مكان ما، أمتطي الخيال معه ونسافر نحو مدن و عوالم لم أزرها من قبل، بعدما عجز جواز سفري عن أخذي إليكِ أو إلى أيّ مكان أريد.

جواز سفر لقيط لا قيمة له، فبفضله لم يعد هناك بلدٌ يريد أن يتبنانا أو أن يُشرِع أبوابه أمامنا..

جواز من الورق المقوى لا يأخذكَ إلى أي مكان، غير الأماكن التي تشبه الجحيم الذي نقطن به، و كأننا لسنا ضمن قائمة البشر، ليس من حقنا أن نسافر أو نكتشف العالم، أو أن نعيش كما نريد و كما نحب و أينما نود و مع من نحب .

ربما سيكون إبن بطوطة قادرا على مساعدتي هاته المرة.

أتمنى ذلك .

أواصل القراءة، أواصل التوهان والهروب بين الصفحات، أواصل التحليق .

غير أني أفشل كل مرة، الكثير من الأحاسيس اللعينة تعيدني إلى نفس المكان ونفس العبث، تمارس معي الألعاب ذاتها.

غابرييل يا نهايتي..

أحس أني أعيش ما يسمى الإحتراق البطيء، الذوبان التدريجي، أشبه كثيرا ذلك البدر المتوهج الذي تلاشى ببطء وتهالك على لحن الإنتظار حتى صار اليوم هلالا لا نور له تنافسه النجوم على إضاءة مسائي الكئيب هذا.

مساء معتم بالذكرى..

أشعر بشعور غريب مؤخرا، و لا أخفي عليك ذلك..

أشعر كما لو أنك تخليتِ عني و تركتني بتلك المحطة للأبد.

بعد كل ذلك التشبث المستميت استطعتِ أن تسحبي يدكِ من يدي وتواصلي طريقك بدوني، تاركة كل شيء كل ثقل يهوي بداخلي ويُغرقني..

أحسُ أني أهوي نحو الأسفل، نحو القاع ببطء.

ربما لم يعد هناك من حبل نجاة يشدنا لبعضنا غير هته الرسائل المتأخرة التي لم يعد لها معنا كما ذكرتِ..

و لكني سأقول لك ما قاله ثيودور في رسالته الأخيرة لحبيبته كاثرين بعد إنفصالهما..

أردتك أن تعرفي ..

أنه سيظل هناك دوما، جزء منك لا يتجزأ مني..

المخلص

آرثر



  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 25 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 25 يوليوز 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا