التاسع عشر من مايو 2023

أذكر أني كتبت ذات يوم ...

إننا ملزمون بالتّغَيُرِ ، إن كُنا نعيش باليوم الواحد كل الفصول، ملزمون بإيجاد لون يناسب كل يوم.

المساء، الواحدة و خمس أربعون دقيقة بتوقيت هته المدينة البائسة.

أغادر المسجد بعد صلاة الجمعة و سلام داخلي يملؤني، سلكت طريقا مختصرا عائدا إلى منزلي متفاديا زحام الوجوه بطريقي، بخطوات مسرعة أحاول الفرار من صدفة تجمعني بأحدهم، أو سؤال يوقفني عند قارعة طريق أو حافة رصيف...

مثل لصوص المساجد أُحِسني، و كأني أحاول الفرار من إقامة حد أو قطع يدٍ.

شيء غريب بداخلي يقلقني، و يحرك جملة من الأفكار بعقلي، مثل فوضى مرتبة تزعجني.

و أنا في طريق العودة ..

قادتني أفكاري نحو متاهة من متاهات الماضي، نحو يوم غابر من أمسية جميلة تشاركنا أطرافها ذات يوم

لا أدري ما الذي قادني إلى التفكير بهذا الموضوع بالذات.

الأزرق بالسماء أم الابيض الذي تحمله الغيوم في فساتينها الناصعة.

أسألني بعد مرور سنوات، يا ترى هل حقا كنت أحب الأبيض أو الأزرق كما صارحتكِ ذات مرة، و هل هما اللونان المفضلان بالنسبة لي؟

لا أعتقد هذا، ربما كل ما قلته بالسابق كان تسرعا مني أو مجرد إعجاب مؤقت فقط، تماما مثل قصتنا المؤقتة التي إكتملت بانفجار، إنفجار صامت جاء في شكل مكالمة أخيرة غيرت معالم المدينة التي تعبنا في تشييدها...

اليوم نحن مجرد بقايا آثار حضارة غابرة أغرقتها لعنة الحب .

أقطع الطريق الرئيسي و أسلك الزقاق الضيق الفارغ من كل شيء إلا من بعض القطط التائهة و السيارات المصفوفة على الجانب، أخاطب نفسي مجيبا عن ذلك السؤال الذي لم آخذ فيه العلامة الكاملة سابقا.

أحب اللون الأحمر، افكر بصوت عال يميل إلى الهمس، و أقول لنفسي و كأني أُحّدث أحدهم.

أحب اللون الأحمر، أنا متأكد من هذا، أحبه كثيرا يا غابرييل.

لأول مرة أكتشف ذلك، لأول مرة أحس أني أتحدث عن ما أحب بكل ثقة و صدق.

أبتسم لهته الفكرة، و هذا الخاطر المحير، و للصدفة التي جعلتني أرتدي قميصا صوفيا أحمر بنفس اليوم، أي غرابة و أي تقاطع للأحداث هذا الذي حدث معي .

اللون الأحمر، لماذا هو من بين كل الألوان؟أواصل سؤال ذلك المجنون بداخلي .

أهو حب ؟ أم محاولة إنتقام من كل ما تشارَكتَه مع إحداهن ذات يوم، لم أعد أحب الأزرق المصاحب لكل مريض نفسي أو مشفا للمجانين و تبا للأبيض المغرور المشرع مثل نافذة على المارين، كُلٌ يترك فوقه بصماته المتسخة و يغادر دون رجعة.

الأحمر لون الإحتمالات، الأحمر للدفء، للحب للقرب و المكانة، لون الخجل على الوجوه و فوق الشفاه، شكل من أشكال الفخامة و السلطة، لون الزهور و الغروب الجميل، لون اللهب و الخطر و الوجع و الدم و الألم.

لون التناقضات الذي جمع في سطوته و غموضه الظلام و النور، الحياة و الموت.

اللون الذي لايشبه الأبيض و الأزرق في شيء.

أتجاوز عتبة الباب، مثلما أحاول تجاوز الكم الهائل من الأسئلة بعقلي.

و أقول منهيا رسالة لم أكن مقبلا على كتابتها لولا ذلك السؤال السخيف الذي أعاد طرح نفسه بعد غياب طويل.

غابرييل

أُخبرك شيئا، أنا سعيد اليوم بهذا الإكتشاف و لو أنه ليس بذلك الحجم الذي يستدعي أن أضمه ضمن قائمة الإكتشافات.

لكنه يستحق و بعد كل تلك السنوات أن أشاركه مع الجميع إلا معكِ.

عكسك تماما، الأحمر يليق بي.

الأحمر لوني المفضل.

آرثر