العولمة...محاولة للفهم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العولمة...محاولة للفهم

العولمة

  نشر في 24 أبريل 2015 .

العولمة...محاولة للفهم

إن التغيرات التي نمر بها علي المستوي العالمي كثيرة للغاية, حتي أن بعضها لا يسعنا ذكره من كثرة ما شهدت حياة البشر بأسرها من تغير وتبدل. إلا أن الحياة قد تقف عند أحد تلك التغيرات لتعيد فهم الوجود, لتحاول أن ترسم صورة واضحة للعلاقات الاجتماعية بين الأفراد وبعضهم علي المستوي الشخصي وبين الجماعات- أو إن شئت قل الدول- علي المستوي الكوني أو العالمي.

لقد مثلت العولمة Globalization بحق إحدي هذه التغيرات التي توقفت معها عقارب الساعة الكونية لتحاول إعادة صياغة الموقف الوجودي من جديد. وكما جرت العادة لدي التعاطي مع المصطلحات الفكرية والثقافية, فإن الأجدي هو تحديد مفهم واضح لهذا المصطلح. فالعولمة, لغة, مصدر مشتق من الفعل "عولم", ويعني جعل الشيئ عالميا, أي علي نطاق واسع وشامل لا محدود. أما من الناحية الاصطلاحية, فالعولمة تمثل إزالة للحواجز الفاصلة بين الدول بما فيها من أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية نحو تحقيق نمط ثقافي موحد يشمل ضروب الحياة المختلفة. حركة شمولية ونمط من التغيرات الجذرية التي شهدتها حياة البشر, لا في جانب من جوانب الحياة وحده, ولكن في كل المناحي. فما من معني للإشارة للعولمة باعتبارها تغيرات في السوق العالمية وفي إشارة لمحاولة سيطرة دولة أو أكثر علي أسعار السلع الرئيسة والمتمثلة في الأغذية ومنها القمح, أو مصادر الطاقة ومنها النفط.

إن العولمة بمفهومها الواسع جملة من التغيرات الاقتصادية والسياسية, وبالضرورة فكرية وثقافية, تغيرت معها حياة البشر من مشارق الأرض إلي مغاربها. ومما لا شك فيه أن حياة الإنسان العادي البسيط قد تأثرت بصورة أو بأخرى بهذه التغيرات. إلا أن الشق الأبرز في هذه النزعة العولمية (العالمية) هو الأبعاد المرتبطة بها, والتي أفضل أن أبدأها بالشق السياسي. فالعولمة السياسية تمثل بالونة اختبار للموروث السياسي القديم الذي ألف الجميع, والمتمثل في فكرة سيادة الدولة والأمن القومي والوحدة والتكتل وحفظ الحدود وصيانتها. إذ تضع العولمة السياسية هذه الأمور محل الشك, فكيف لدولة أن تحفظ سيادتها وتقيم لحدودها الدنيا ولا تقعدها ونحن نتكلم عنه ثورة في مجال العلاقات الدولية قوامها إزالة الحدود ومحاولة تدويل القضايا المحلية والإقليمية.

والشواهد علي ذلك كثيرة لا محالة, فليست العراق منا ببعيد. لقد أرسلت الهيئة الدولية للطاقة الذرية مطلع الألفية الثالثة لجنة للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل بإيعاز من راعي الأمن "العالمي" - الولايات المتحدة الأمريكية. فهذا يمثل تدخلا صارخا في شأن دولة من الدول أيا كان موقفنا تجاه الأزمة التي بدأت بعد العام 2000 وها هي العراق تجني ثمارها من ويلات الحروب الطائفية وكذا الخارجية إلي أمد لا يعلمه إلا الله. وها هو ذا الموقف يتكرر, فنظرة علي الجارة إيران وما تحاول الدول الكبرى وعلي رأسها أمريكا تحاول فرض الرأي من خلال التدخل في الشأن الإيراني فيما يخص قضية " تخصيب اليورانيوم" تارة في جلسات مجلس الأمن, وأخري عبر فرض حظر اقتصادي عليها. إلا أن المفارقة المجحفة في الأمر أن أمريكا نفسها التي تنصب نفسها حكما للعدل وحامي حمي العولمة هي نفسها التي لا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها. وها هي تدفع الغالي والنفيس دفاعا عن الطفلة المدللة إسرائيل. فالشواهد كثيرة ولا يتسع المقام لسرد ما هنالك من أمثلة علي أنظمة تسمي بالديمقراطية, تطبق فكرا عولميا سياسيا لا يعرف العدل ولا يكيل بمكيال واحد سوي المصالح الشخصية.

وأما من الناحية الاقتصادية, فالعولمة حاضرة لا محالة. والصورة الجلية للعولمة الاقتصادية تتمثل في سعي كثير من الدول لصناعة تكتلات وسوق مشتركة, فالعالم يتجه نحو التجمع لا التشرذم من الناحية الاقتصادية. تبدو العولمة الاقتصادية من هذا المنطلق حمامة السلام التي تسعي للتوحيد لا للتفرقة. هذه ما يبدو حقيقة لقارئ المشهد من الوهلة الأولي, لكن الأمر غير ذلك. فللعولمة الاقتصادية آثار سلبية لا يمكن تجاهلها. ومما تجدر الإشارة إليه في هذه الموضع توصيات المؤسسات الدولية العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدولي: فنظرة للوراء في المشهد السياسي المصري نجد ثمة تدخلات لا تبرر سوي بسوء النية المبيتة من جانب مؤسسات كهذه في الشأن الاقتصادي المصري. حيث نري شروط تلك المؤسسات جد مجحفة لدي كل مساعدة تطلبها إحدي الدول النامية, ومنها مصر- فقد تطلب تارة تخفيف الدعم القومي وتارة تطالب بمزيد من الانفتاح علي السوق العالمية وما تمليه من شروط في القروض والمساعدات أو العلاقات الاقتصادية. خلاصة القول أن الأبعاد الاقتصادية للعولمة لا تقتصر علي مجرد سعي لصنع تكتلات لدول مع أخري لكن, من جانب آخر, هي ضرب من إذابة القيود والحدود الاقتصادية وسعي من الدول الكبرى لبسط سيطرتها السياسية والاقتصادية علي الدول الصغيرة التي تزخر أراضيها بالموارد لطبيعية التي لا تستطيع استثمارها علي الوجه المطلوب, إما جهلا بقيمتها أو أن الأمر مدار من قبل شبكة من " النصابين المقننين" . كل هذا يجري لتدير الدول الكبرى دفة الأمور نحو مآربها.

إن ما تناولته هو مجرد غيض من فيض, فالعولمة تمثل التحدي الراهن للعالم بأسره, بكافة دوله ودويلاته صغري كانت أم كبري. فما من أحد من البشر أو أي من الدول تستطيع أن تغمض عينيها أما هذا التيار الجارف من التغيرات الراديكالية في ثقافة العالم وقيمه و أيديولوجياته التي تنعكس حتما علي القرارات الاقتصادية والمعاهدات السياسية في نهاية المطاف. إلا أن أحد أبرز التأثيرات التي تجدر الإشارة إليها فيما يخص تأثير العولمة علي الرجل العادي يكمن في ما يسمونه بعصر السموات المفتوحة. فهذه الثقافات المتباينة أصبحت تنصهر في بوتقة واحده من الثقافة العولمية التي تجد فيها الدول الكبرى مساحة لفرض نمطها القافي, كالعادة, في محاولة منها لقولبة العالم وفق هواها الشخصي. فهل كان أحدنا ليستطيع أن يمنع تلك الوصلات السلكية التي غزت بيوتنا العربية والإسلامية من التسعينات فصاعدا عبر الأقمار الصناعية. أم تستطيع أي من حكوماتنا المتعاقبة فرض نوع من الرقابة علي استخدام هذا السرطان الإعصار الإليكتروني واللاسلكي المسمي بالانترنت. إن ما لحق بمجتمعاتنا من تغيرات في القيم والأخلاق والسلوكيات كتابع لهذه التغيرات الانفتاحية لهو أمر جدير بالدراسة والبحث, علنا نجد فيها ثمة دليل إدانة ضد أي من هذه الاتجاهات العالمية. وعندها نستطيع تشخيص الداء لتبدأ الخطوة التالية, وهي بدء العلاج.

حقيقة, لا يستطيع الواحد أن يغض الطرف عن مثل هذه التغيرات أو حتي يتجاهل آثارها المتلاحقة علي المنظومة القيمية للمجتمع بكافة طوائفه وطبقاته عبر ما يسمي بالغزو الفكري, لا سيما لفئة الشباب. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن لبلادنا النامية أن تشق لنفسها طريقا يجعلها من القادرين علي صنع القرار "الدولي" أم أن لتلك الدول رأي آخر. 



  • محمد مكرم
    محمد مكرم , من المهتمين بالقراءة والكتابة والفكر والإنسانيات والثقافة والترجمة.
   نشر في 24 أبريل 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا