فن التعبير السياسي الساخر.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فن التعبير السياسي الساخر..

فن التعبير السياسي الساخر..

  نشر في 04 ديسمبر 2017 .

فن التعبير السياسي الساخر..

هيام فؤاد ضمرة..


وكلا الإعلام والأدب الساخر هو قدرة الكاتب أو الإعلامي على النقد بلغة تهكمية لاذعة، تسخر من الأوضاع السلبية بالمجتمع أو بالمواقف أو الأوضاع السياسة، وتشحن طاقة الإضاءة الكاشفة على مجمل العيوب والسلبيات المتداولة، وتضخمها بصورة ساخرة، بهدف تسليط النظر عليها وتجميعها باتجاهها، وإثارة طبع التحليل الناقد في الحالة.

الفقرات والنصوص الإعلامية الساخرة، والرسوم الكاريكاتيرية المعبرة بالأسلوب الساخر، والفنيات الأدبية النثرية والشعرية الساخرة.. كلها باتت أساليب ذكية في تناول المواضيع السياسية والاجتماعية تزيد من حجم تسليط الإضاءة على الموضوع أوالحدث، وتجعله أكثر تداولا وانتشارا كونه معروض بأسلوب محبب قريب من ذائقة المتلقي المرهق بالأحداث، لكنها بالجانب الآخر أصبحت بعبعاً يهز كيان الحكام ورجال الحكومات ويقضي مضاجعهم، لما في تفسير مكامنها من نقد لاذع وكلام موجه إلى الصميم العميق، هي صورة مبتكرة تلخص مقالا صريحا، أو تكاشف ما هو مستور متداري وراء الأكمات السياسة الخفي أهدافها، وغالباً ما يكون نجاحها مواكباً مسيرة حقيقية لنطاق الحريات، وتطبيق موفق لأسس الديمقراطية، وهي بذات الوقت أداة من أدوت الفن الاعلامي الجميل والقريب للقلوب، لأنها تعبر عن نقد سياسي متسامي، يفتح مدخلا آمناً لحرية التعبير عن الرأي.

من الجنون كبح جماح العقل ومنع أدوات التعبير عما يجول به من تحليل وتفسير للخبر، قد يحتاج الفكر شيء من التقليم والتشذيب لألا يفقد جماليات منهج التفكير السليم، لكنه يحتاج سقفا ملائماً من الحريات ليتنفس، والإعلام الناجح يستخدم فنيات النقد والتحليل ليخترق عقل المتلقي ويتحايل على نقد الخبر وتحليله.

في الواقع أنّ الجمهورية المصرية العربية كعادتها أخذت موقعها الريادي في هذا الشأن لطبيعة تأصلت بالشعب المصري على ما يعانيه من ضغوط قاهرة، وكبت سياسي، وفقر مدقع، وباتت مصر تتموقع بالصدارة باستخدامها فن الكوميديا كمادة إعلامية قوية، وجدت طريقها إلى قلوب وعقول الجمهور، حين دخلت نطاق السياسة وحركت جمودها، ووسعت مساحتها، ورفعت أفق حرية التعبير فيها، فحين تحررت محطات التلفزة وافتتحت الفضائيات الخاصة، اشتد هناك التنافس على استقطاب المشاهدين والمتابعين، كما أصبحت هناك فرصاً حقيقية للتنفس والتنفيس وانفتحت الشعيبات الهوائية على إطلاقها بذكاء وطلاقة تعبير.. لكن للأسف الشديد انزاح كثير من اعلامييهم وكتابهم ومذيعيهم عن أمانة الهدف ومصداقية النقد اللاذع، حتى غدوا عبارة عن أبواق ناعقة بألفاظ غير مهذبة لوثت الذائقة السمعية لدى المتلقي، واستخرجت اشمئزازه، وصار كل من أصحاب البرامج الساخرة يستعرض لغته الساقطة على شاشة التلفاز وعلى صفحات الصحف بتبجح ووقاحة منقطعة النظير، فالقيم الاجتماعية مهما تفلتت عن عقالها فهناك مصطلحات وطيئة لا يستسيغها عقل الناس ولا تتقبلها أسماعهم.

وفي الواقع أنّ فن التعبير الساخر بدأ ظهوره في مرحلة الستينات من القرن الفائت العشرين عبر الإعلام الغربي الانجليزي والأمريكي، ولاقى قبولا حسنا لدى المتابعين، وراحوا يحللون مكونات عرضه بكثير اهتمام، ويتوصلون لأهدافه وتأثيره على نفس الناس المرهقة بالمواقف السياسية الجريئة، فكان بمثابة حالة تفريغ عاطفي يرضي الطرفين الفنان الاعلامي الناقد والسياسي صاحب القرار المنقود، فاقتحموا بذلك الجمود السياسي بالنقد اللاذع الساخر، واستقطبوا عن طريقه كثيرا جدا من المتابعين والمحللين والمنظرين، ألبسوا عباراتهم الألوان الفاقعة وجعلوها تهتز في عقل الناس وتبدي تفاعلاتها، فما فائدة شعارات سياسية واجتماعية وفكرية تطلق هنا وهناك، وتعبئ فضاء الكون طالما لا تجد معانيها ارتداداً مناسباً وتقبلا متجاوبا لدى الجمهور الواسع، فكان الأسلوب الساخر داعم قوي لتقبل العروض وإدراك معنى الشعارات، وأشهر نجوم السخرية السياسية في العالم قاطبة هو المعلق السياسي الساخر الأمريكي جون ستيوارت في برنامجه التلفزيوني (ذا ديلي شو) العرض اليومي، وظل يباشره على مدى ستة عشرة عاماً بلا انقطاع حتى قرر هو بذاته التوقف، وذاعت شهرته في الآفاق، وبات عاملا مؤثرا على الرأي العام وعلى المناخ السياسي، فقط لأنّ نقده ساخر ولاذع ، مستخدما في ذلك مواهبه المتعددة ككاتب، ومثقف، وممثل، ومنتج، عدا عن جرأته وقوة تعبيره وخفة ظله، لم يكن مهرجاً بالطبع، لكنه كان ناقدا مستنيراً يوظّف لغته الساخرة بنزاهة وذكاء.

ومساهمة النقد السياسي الساخر في دعم مسيرات التصحيح والتغيير ودفع عجلة تقدمها أمر مفروغ منه على أرض الواقع، فالنقد السياسي الساخر من شأنه أن يساعد في إنشاء هوية جماعية يتلقاها الجمهور بكثير تقبل وكثير أثر، واعتقد جازما أن هذا النوع من الخطاب الساخر يعبرعن نضج سياسي وإعلامي في حضور سقف عالي من الحرية، وله دلالة واضحة أن للسخرية لغة مؤثرة على القناعات.

ولفضل social media دورا هائلا عظيم الأثر في نشر النقد السياسي الساخر وتجاوب جمهور عالمه ذلك الحشد الالكتروني المتفاعل معه بشكل صريح وواعي وقد استغل رواد " تويتر" رغم محدودية التعبير في ضيق المساحة، مما أتاح استخداماً عاليا في القدرة على تكثيف اللغة الساخرة بحدودها الضيقة وتصويرها مجازيا، وبرزت أسماء كثيرة حصدت المتابعة بشكل شيق مجز الأثر.

وبي قناعة مفرطة أنّ النقد الساخر في الوقت الذي يعتبر مجالا رحباً للتنفيس، فهو قادر أنْ يحقق ثورة تغيير وتبديل في قلب القهر إلى وعي وإصلاح، وأنه أسلوب ناجع في اخراج المكبوت المسكوت عنه، واعادة النفس إلى توازنها النفسي بمواجهتها لأجواء الظلم والاستبداد السياسي وسطوة الفساد السياسي والمالي، قد لا تقوى على تغير واقع الظلم ولا يعدله كلياً لكنه يساعد على احتماله مما يجعل الحكام يتخذون موقف المتراخي تجاهه لترك الشعب يكيّف نفسه مع هول الضغط الواقع عليه، مما يجعله مستمراً على ذات السياسة دون تغيير، فهي تعتمد الموضوعية إنما بأسلوب الترميز والبعد عن المباشرة في تناول الموضوع ومناقشة الأحوال ، انما تقدم الطريقة الساخرة بعداً ثالثاً لما وراء القضية بشكل ذكي يبرز التناقض بين الجوهر وما هو في حكم الخبر.

والقلم الساخر قلم يعلم حدود المساحات وآفاق البعد الطولي والعرضي في طريقة التناول للفكرة، وفي أسلوب تمحيصه وتفحيصه وتوظيفه وابراز خلفياته وارتباطاتها بما يعنيه ويدور حول محوره منعا للشتات، واستخدام أسلوب المفارقة والتورية مستخدماً الأمثال تارة، وتارة أخرى مستخدماً القصص ذات العبر والهدف الواضح والخلاصة المرادة، التردد بين المفهوم الواضح والمغزى المتخفي بحيث لا يكون هناك إغراقاً بالموارة مما يعيق الفهم، وشد انتباه للموضوع من خلال عنوان جاذب يستفز فضول المتلقين، عدا عن البدء بعناصر التشويق لتحفيز المتلقي للمتابعة.

هناك كتاب وإعلاميون مؤهلون لهذا اللون من الكتابة والتعبير، فتجد فيهم طبيعة متفجرة للنقد، وغريزة متحفزة للتعبير المتهكم، وقدرة عفوية على الربط والتحليل والتعبير عنها بأقل الكلمات وأوفاها قيمة.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 04 ديسمبر 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا