غرنيكا البيكاسو - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

غرنيكا البيكاسو

ما بين الفن و الحرب ..

  نشر في 23 يناير 2018 .

بدأت الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936، و قد كانت قتالاً بين الحكومة الجمهورية الإسبانية و التي تم الإقتراع عليها في 1931 ، و القوى الفاشية تحت قيادة الجنرال " فرانكو " ، و كانت الفاشية تصعد داخل الحركة السياسية في الثلاثينيات ، فأفكارهم اليمينية تضمنت المركزية القوية للحكومة ، و النزعة المتطرفة في رؤية الكرامة القومية ، وقد حصل فرانكوا على الدعم من إيطاليا و ألمانيا اللتين يحكمهما حكومات فاشية ، مما مكنه من الحصول على زمام السلطة في إسبانيا عام 1939.

كانت الحكومة الألمانية التي دعمت فرانكو تحت حكم الحزب النازي ، بقيادة أدولف هتلر الذى رأى الحرب الأهلية كفرصة لإختبار أفكاره عن قوة الألمان التى تطورت تحت غطاء من القنابل. فالفاعلية الفظيعة للهجوم على غرنيكا و غيرها ، قد أعطت هتلر الثقة لكي يدفع بألمانيا لتصبح تدريجياً أكبر قوة في أوروبا . و أخيراً فقد ذهب لما هو أبعد من ذلك بكثير ، ففي نهاية الحرب الأهلية الإسبانية بدأ صراع جديد ، و هو الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945 ).

في 24 إبريل من عام 1937 ، قصف سلاح الجو الألماني المدينة الباسكية : " غرنيكا " مخلفاً وراءه 1664 من القتلى ، و عدد من الجرحى يصل إلى 900 شخص . و قد ترك السكان بيوتهم و هى تحترق من ألسنة اللهب، حيث تم تدمير ميدان السوق بالكامل.

كانت حياة بيكاسو كل يوم في فرنسا تذكره بالحرب الأهلية الإسبانية. و لكن ذلك لم يكن سبب الحرب العالمية الثانية ، ففي عام 1940 تمت مهاجمة باريس و إحتلالها من قبل الجيش الألماني ، و كان بيكاسو محاصراً في المدينة و أراد إستئناف عمله و لكن مستلزماته و المحظورات قد أعاقته. و على العكس من فنانين آخرين ، فإن العروض النازية لم تغرِ بيكاسو ، فقد إستمر في تصوير لوحات ثورية رغم أنوفهم جميعاً.

تم قصف غرنيكا كجزء من تطور حدة الحرب الأهلية الأسبانية. و قد إرتعد بيكاسو لهذا الهجوم الشرس ، و إستحضر كل مشاعره لتصوير الغرنيكا.

رسم بيكاسو 45 اسكتشاً و دراسة قبل أن يبدأ لوحته الرئيسية. و لكي يعطي إحساساً تاريخياً ، إستخدم فقط ظلال اللون الأسود و الأبيض ليعطيها طابع الصورة الفوتوغرافية. و قد إستخدم حلبة الثيران كرمز لتقديم القصة المفتوحة ، فالثور يمثل الشر ، والحصان يقف بين أشلاء الأجساد كرمز لشجاعة أهل غرنيكا ، و النتيجة الدرامية هي خارج الوقت و الحقيقة ، مواكبة لرعب الحرب في أية مرحلة زمنية.

صنف النازيين بيكاسو بأنه " بلشفي متدن " ، مما يعني من وجهة نظرهم أنه كان ثورياً عديم الخلق ، و كان واضحاً أنه كره النازية من لوحته غرنيكا.

و ذات يوم لما كان الجستابو " البوليس السري النازي " قد أتوا ليفتشوا الاستوديو الخاص به ، رأى أحد الضباط صورة فوتوغرافية للغرنيكا و قد سأل بيكاسو : " هل فعلت ذلك ؟ " فقال للضابط : " لا أنت فعلت ذلك ".

و كنتيجة لسلوك النازيين كان صعباً على بيكاسو أن يستمر في عمله ، و قد استطاع أن يقابل أصدقائه أومبرواز فولار و خايم سابارتس كل يوم في مقهى ، إلا أنه قد أٌقام عرضاً صغيراً واحداً .

وقد سجله الألمان كأحد اللذين يمكن نقلهم إلى ألمانيا للعمل كعبيد ، و لكن يبدو أنه نجا من هذا عن طريق شفاعة من أحد النحاتين المفضلين لدى هتلر يدعى " أرنو بريكير " ، حيث عمل على تأكيد وجود الخامات التي يستطيع منها بيكاسو أن يبدع منحوتات ، حتى عندما كان الألمان يذيبون التماثيل المعدنية لاستخدامها في المجهود الحربي.

لقد عكست لوحات بيكاسو أثناء الحرب ما رآه و أحسه، فموضوعات لوحاته كانت تتكرر مراراً و تكراراً : جماجم حيوانات ، ونيران مشتعلة ، وسكاكين حادة ملتوية .

و في عام 1944 قامت معركة تحرير باريس ، التي دارت أيضاً حول ستوديو بيكاسو ، وفي وسط إطلاق النار و الإنفجارات كان يصور و يغني بأعلى صوته ، ليعلو بصوته على صوت الضجيج القادم من الشارع.

خلال سنوات الحرب سمع الناس بعض الأخبار القليلة عن بيكاسو و أعماله ، و عندما تم تحرير باريس 1944 كان بيكاسو معجباً بنفسه لكثرة زواه ، وخاصة الإنجليز منهم و الأمريكان ، وكان ذلك علامة على الشهرة العالمية التي حظى بها في ذلك الوقت، فقد أصبح رمزاً ثقافياً حتى ولو كشخصية بارزة مثيرة للجدل ، و عندما أقام معرضه في باريس ، كانت هناك إحتجاجات عنيفة من طلبة الفن واليمينيين المحافظين.

Guernica " Painting by Pablo Picasso, June 1937 " 

وقد عرضت " غرنيكا " للجمهور في يوليو 1937 ، لكن ظل موضوعها مستحوذ على فكر بيكاسو ، فعاد إليه كثيراً في الشهور التي تلته ، فصور مع حلول نهاية العام لوحة " المرأة الباكية " ، وهي أحد أهم إكتشافاته النهائية لموضوع الحرب ، فالمأساة الإنسانية بلوحة المرأة الباكية تتجسد في شخصية " دورا مار " ، فقد كانت مصورة فوتوغرافية ثم أصبحت صديقة لبيكاسو ، رسمها بالإسلوب التكعيبي مستخدماً ألواناً حادة لتعكس شخصيتها المنطلقة ، و في تباين واضح بين الألوان فصل بعنف مساحات الأبيض التي كونته دموعها ، عارضاً الموت و الدمار الذي لحق بمدينة " غرنيكا ".

وفي نهاية الحرب ، قد بدت و كأنها نهاية كابوس ، فبيكاسو قد شوهد يعاني كثيراً ويفقد العديد من أصدقائه سواء في الحرب أو في معسكرات التعذيب ، و الآن فقد تجددت حياته ، و لوحاته لا تزال تعكس الحرب ، و لكن أيضاً تعكس حالة من النظام .


  • 1

  • حسام عيد
    مهندس مصري ، فنان تشكيلي ، باحث في تاريخ الفنون
   نشر في 23 يناير 2018 .

التعليقات

آيــآ منذ 6 سنة
حقيقة أحب هذه اللوحة له للغاية.
المقالة جميلة و سلسلة و يبدو فبها مجهود و إخلاص واضحين. شكرا لك كثيراً على هذه المقالك القيمة.
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا