_ ماذا فعلتِ لتعتاد الوحدة؟
_ تركتها تأتي وتمضي كما تشاء؛ أنها تعرف أنني بلا دفاع!
_ لكنك تستطيعين التحكم بها إذا أردتِ.
_ لست متأكدة ولست مبالية أيضاً.
_ تدعيها تسرقك بكل ترحاب؟!
_ لست مهتمة، صدقني.
_ لكنهم سينسوك، سوف تنسى حقا!
_ قلتها مرة ولم ينسني أحد.
_ لا هذه المرة سينسوك، صاروا على دراية بمزاجك اللعين؛ والجميع يكره ذوات الأمزجة المتقلبة.
_ لا أريد احراجك حقا، لكنك كصفحة بيضاء بالنسبة لهم؛ أنت لا شيء، فلا تغتر!
_ وبما أنك لا شيء، لماذا تتركين نفسك للوحدة؟
_ أنها تفهمني جيداً!
_ لقد جذبتك نحو ثقبها الأسود، ومضت تتحكم بك.
_ ما أحلى ثقبها الأسود!
صراحة أنا لست ممن يحبون فصل الشتاء، ومهما بدا نضج الإنسان به، مثقف كان أو يساري أو مريد صوفي سيبقى يحب ويكره ويجادل بشأن فصول السنة! أنا سئمت من ذلك الجدال العقيم، وبت أسلَّم بحالة الجو المقررة علينا، فتقبلت الشتاء بوحوشه القاهرة.. الوحدة وتطاحن الأفكار، والسهاد وفوضى المشاعر التي لا سبيل لها ولا مخرج؛ كل هؤلاء يتناوبون علي بالصفع واللكم كل ليلة، فلا راحة ولا نوم إلا في صباح اليوم التالي، وحده صوت حليم ووحدها الكتابة والقراءة يعينوني على التحمل، لكن من يعنيني بعد منتصف الليل، كم ساعة يحتلها الليل في فصل الشتاء؟
_ حسنا، أنت تفوز!
_ لا، أنا أفوز عندما أسمع تأوهاتك، وأنا لم أسمعها بعد!
منذ أسابيع، السهاد نال مني حتى وصل بي للثامنة صباحاً، رأيت أختي تستعد للذهاب إلى عملها، وفكرت سريعاً.. لماذا لا أذهب معها؟ فأنا لم أرى الشمس منذ وقت طويل! دُهشت كوني تعبة ولم أنم، ثم وافقت والشفقة تملأ صفحة وجهها.
ذلك اليوم الشمس لم تظهر فيه، ضحكنا.. حتى الشمس عاندتني مثل النوم، الجو قَلَب وتجمعت الغيوم وتكتلت ثم أمطرت، وضحكنا مرة أخرى ومشينا نثرثر تحت المطر، كان وقتاً رائعاً حقا!
ولكن الرائع أنني اخترت تقبل سهادي وتعبي بل ومنافسته؛ وهذا ما يحدث لنا عندما نتقبل معاناتنا، يحدث أن السعادة تنتظرنا لتغمرنا من الجهة المقابلة!
_ هذه الجولة لكِ!
_ نحن على وفاق دائما، فلا يهم.
_ تخدعينني؟
_ تعرف أنني لست مبالية لشيء.
_ لهذا سوف تنتصرين علي!
لا شيء يأتي مصادفة في هذا العالم، حتى الأشياء السيئة لها مردودها وثمرتها التي ستتكشف لنا ذات يوم، ولكن من كثرة تكشفها لك سينتابك شعور عام بالعزلة، ولأقل عزلة نسبية، تريد أن تبقى وحدك، تثامر نفسك لتأخذ منها كل ما أخذته منك في أشد احتياجك للرفقة والثرثرة، أنت الآن بشكل ما لا تشتاق كثيراً مثل السابق، ومع هذا لا زلت تشعر بالوحدة، لكنها وحدة أنيسة!
بمقدورك الولوج إلى عالمك الواقعي أو عالمك الافتراضي والتواصل مع من تفتقده، وليس شرطا أن تخلق حديثاً؛ يكفي أن تنشر قصاصة تحبها، اقتباس ما، وأن تمارس ذلك اللهو الافتراضي من توزيع اللايكات والقلوب والتعليقات هنا وهناك، أنت هنا تظهر لنفسك ولهم أنك مشتاق لكنك حر لا يقيدك شيء، تفتح كيفما يبلغ الشوق منك وتغلق متى سئمت.
أنت هنا وحيد مثل الكل، لكن الوحدة علمتك عدم الانجراف، لقد ضبطت ميزانك العاطفي في كل الليالي التي اجتزت فيها مخاوفك كأنها لا شيء.
_ أنتِ تفوزين بالفعل، ثم تأتي وترتدين ثوب الضعف والمسكنة!
_ لكنك ما زلت موجودا، وهذا يعني أنني لست حرة بالكامل.
_ لكنك تنافسين وتصارعين كأنك شيء!
_ هه!
تقبلوا فصل الشتاء المدجج ببرودة الجسد وحمى الأفكار، تقبلوا خموله وعجزه، تقبلوا وحدته التي تجرفكم حتى صباح اليوم التالي.
بالتأكيد أنا لست وحدي هنا، أم أنني وحدي فعلا في هذا الليل البارد السحيق؟!
تقبلوا مشاعركم المرهفة في كتابة كل ما تعبق به نفوسكم من حب ووصال، حتى لو لم تكونوا متأكدين بشأنها! لا تخجلوا ولا تحبسوها، اطلقوها فالعالم شبع جفاءٍ و كتمانٍ.
تقبلوا كل ما يجعل منكم بشرا، بشر ممتلئين بالإشتياق والتخبط والوحدة والتفاؤل والضغوطات، تقبلوا كل شيء وأي شيء يأتي من الله.
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.