نقرأ الكلمة فتصيب قلوبنا بوعكة فكرية، بين شهيق الحرف وزفير الجملة نتوغل في مصيدة الفكر، فنتنفس المعنى بحسب توقيتنا العاطفي، وهنا أتساءل عن كم من الرسائل والخطابات مرت دون معنى، دون وعي، دون فهم عميق للنص؟
ألا يشغلنا الفرق الذي نستنتجه من نص أو خطاب أو رواية تناولها اثنين في وقت مختلف وحالة عاطفية مختلفة، وربما كانا في سياق زمني وعاطفي واحد إلا أن تأثير الخطاب أو النص مختلف تماما عند كل منهما، وهذا ما يجعلني أتساءل أيضا عن حقيقة النص، وخصوصا في أيامنا هذه التي أصبح فيها النص سواء كان خطابا أو رسالة أو نصا أدبيا أو صحفيا أو تعليقا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يشكل ضرورة لا مفر منها لنقل أو ترجمة ما يحمله الشخص من أفكار أو موضوع يريد طرحه على العلن أو مشاركته مع الخواص فكيف نقرأه جميعا بصيغة ولفظة واحدة إلا أننا نختلف في معناه بحسب فهمنا للمعنى الحقيقي والخفي أو المنطقي للكلمة،بحسب وعينا واستيعابنا وخلفيتنا البيولوجية والأيديولوجية حول النص الماثل أمامنا. ثم ماذا لو كان يتم استغلال الفكر عن طريق الكلمة وتعريف المسميات والأشياء التي لا قيمة لها أو التي لا زال مشكوك في أمرها من حيث المعنى
ك ماهية السعادة أو النجاح أو الجمال أو حتى العبودية ؟
فمثلا حينما نقرأ عبارة كهذه "إذا رميت جثة في بحر سوف تمتلئ بالماء وتطفو على السطح! عليك أن تطعن الجثة عشرة طعنات متفرقة لكي تبقى غاطسة".
أو كهذه "إن السيل الجارف هو الذي يكشف الكنوز وهو الذي يدفنها في آن واحد"
إنها عبارات قصيرة الطول، طويلة الفكر، عميقة المعنى، متعددة الدلالات،
متقلبة بحسب قراءة الشخص وفهمه وحالته ونظرته للحياة بشكل عام، وهنا تقع لذة النص كيف ما كان ولا غبار على ذلك، لكن إن تأملنا النص من زاوية الأنا والمعنى وتطبيق المعنى كمحاولة لتطوير الأنا، يجب أن ننظر فيما نرى، ونتفنن في عمق ما يصرح به لنا، فكم من سعادة لا تركن إلى الذات بل إلى الآخر، وكم من حزن لا يقاوم بالمواجهة بل بالهروب وكم من نجاح لا يساوي قيمة الدخل بل قيمة الفرد ،
وهنا يصبح للكلمة قوة في التوجيه والتثبيت والتعليم، إن ما تقرأه ليس مجرد فكرة
أو بوح، إنه استثمار ومشروع ذاتي، فكن حذرا جدا في تعاملك معها لأنك قد تصبح استثمارا للآخر، ولك أن تقيس ما تقرئه الآن على ما سأكتبه الآن،
في ظل ما تجود به علينا التكنولوجيا، هناك ما يقارب الآلاف والملايين من الكلمات في مواقع التواصل الاجتماعي، فكم من كلمة قرأت لم تصل بك إلى حقيقة المعنى؟
بل أوقعتك في فخ الأنا ببساطة، وبسلاسة دافعت عن ما يسمى بالوهم، وهم الكلمة،
وهم المعتقد، وهم المشاعر، فكن حذرا واعلم أن "ثمة لغة تتخطى واقع الكلمات".
-
هاجر بوعبيدكل ما تملكه لا تملكه!