أعتقد أن من أصعب الأشياء التي يمكن لإنسان أن يواجهها في نفسه أن يكون من الذين سلطت عليهم أدمغتهم، أو بالعامية "دماغه متسلطة عليه"، بمعنى أنه يعاني من "كثرة التفكير"، أو ما يسمى بـ الـ "over thinking"، ويكاد يكون أكثر تعبير طريف قرأته عن هذا الأمر أن البوذيين يسمون العقل صاحب الـ overthinking بـ"عقل القرد"، لأن تفكيره يقفز من مكان لمكان ونادرًا ما يقف مكانه، حيث تارةً تجده ينبش في الماضي، وتارةً تجده يبحث بفضول في المستقبل، ونادرًا ما يرتاح في اللحظة الحالية!
شخصيًا عانيت ومازلت من شئ مشابه لذلك، وأظن أن كثير منّا من الممكن أن يعاني من مِثل هذا في مختلف فترات الحياة.
عادةً ينصح العلماء مَن يعاني مِن الـ overthinking بأن يحاول أن يشغل عقله بأي شئ آخر يصرفه عن التفكير، كالتأمل مثلًا، لكن أوقات يمكن لهذا أن يأتِ بنتيجة عكسية، كيف؟ لأن "الأنا" الخاصة بالإنسان لن تسكت ولن تصمت، وسيصبح العقل أشبه بطفل سُحبت منه لعبته، هل سيصمت؟ بالتأكيد لا! ستجده يصرخ هنا وهناك، ويحدث دبيب في الأرض، ومن الممكن أن يتسمر مكانه ويقلب الدنيا بكاء وعويل، وهكذا، طبعًا هذا ليس بمقياس ولكن احتمال كبير يحدث.
حسنًا، ما الحل؟
مممم، أعتقد أن علاج الـ overthinking صعب "حبتين"، ويُهيأ لي أن أفضل علاج له هو أصعب علاج له في نفس الوقت! :) لأنه معاكس لطبيعته، ألا وهو "التســلـيــم"
أن يُعلم الإنسان نفسه معنى "الإستسلام" و"التسليم" لله، وأنه عِند نقطةٍ ما لابد أن يترك الأمور تمشي كما هو مقدر لها أن تكون، وأن يُسلم نفسه للأقدار، لأن العالم ليس له يد نديره منها، وبمجرد أن نفلت أيدينا عنه سيتوقف عن الدوران، ولأن تفكيرنا لن يغير الأمور أو يمنع حدوثها مثلًا، وقديمًا قالوا "العقل في التفكير والرب في التدبير".
فالعالم لا يقف، والحياة شئنا أم أبينا ستمشي كما مقدر لها أن تكون، وهذا كله يذكرني بمقولة كنت قرأتها في رواية طعام صلاة حب تقول: "لم أنتِ أكيدة بأن تدبيرك لكل صغيرة وكبيرة من لحظات هذا العالم بأسره هو أمر أساسي؟ لم لا تتركين الأمور تمشي على طبيعتها؟"
وأعتقد أن هذا الحل يتناسب طرديًا مع فكرة أن يحاول الإنسان دائمًا أن يُحسن الظن في الله، ويثق في أنه "ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه"، وأنه أولًا وآخرًا لن يأخذ سوى ما كتبه الله له.
وليثق دومًا وأبدًا أنه في عناية رب رحيم، وأن رب الخير لا يأتي إلا بالخير، دائمًا وأبدًّا إن شاء الله ❤🌿
-
أميرة مصطفى"ليس لي عمل أقابل به الله غير أني أحبه"