ألبير كامو: من الوجودية إلى العبثية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ألبير كامو: من الوجودية إلى العبثية

العبثية كفلسفة أمل

  نشر في 22 نونبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 02 مارس 2024 .

يعتمد ألبير كامو (1913-1960)، الفيلسوف والروائي الحائز على جائزة نوبل، على تحليل للفلسفة الوجودية من منظور مخالف تماما لأفكار سارتر. الجانب الأبرز هو مفهومه عن العبث أو العبثية (Absurdism). فكرة كامو عن العبث في الحياة الإنسانية هي نتيجة عقلانية لغياب الله. بدون الله، يكون إختلال التوازن بين الوجود البشري والعالم هائلا. البشر مقدّر لهم المعاناة والموت - وهي حالة لا يستطيع العقل البشري قبولها على أنها نتيجة معقولة وحتمية.

تفكير عبثي

يعتقد كامو في "أسطورة سيزيف" أن هناك مشكلة فلسفية واحدة فقط، وهي الإنتحار. العبثية، بالنسبة لكامو، تدور حول فعل التملص أو المراوغة. الأمل، فعل المقاومة النهائي، هو الحياة التي يجب على الإنسان أن يطمح إليها ويستحقها، أو في الوقت نفسه، خدعة يستخدمها الإنسان لإعطاء الحياة أساسا ومعنى ساميين. وفي كلتا الحالتين، يقوم البشر بإختزال الحياة، تقليصها، إعطائها معنى إعتباطيا، وملاذا مؤقتا.

نواصل العيش بنفس الإيقاع. نحن نأكل ونشرب ونمارس الجنس ونعمل وننام، ثم نموت في النهاية. في أحد الأيام، تطفو على السطح "لماذا" ويبدأ كل شيء في الإنهيار. يحدث الإرهاق. يبدأ التعب في نهاية الحياة الميكانيكية، ولكنه يثير على الفور رغبة الوعي الملحة للمعرفة. هذه الصحوة النهائية، كما يسميها كامو، تؤدي إما إلى الإنتحار أو التعافي.

الوقت يحملنا، ولكن يأتي وقت نشعر فيه بأننا مضطرون إلى حمله. وبينما نلهث للغد، يتبين أن الوقت هو طريق مسدود وأسوأ عدو. إن عظمة العالم وغرابته عبثي محض. عندما يكتشف الفكر نفسه، فإنه سيكتشف في المقام الأول التناقض الذي يميّزه ويميّز العالم المحيط به. هذا التناقض هو عبثي محض. هناك وقفة بين ما نعتقد أننا نعرفه وما نعرفه حقا. نحن نعيش وفقا للأفكار، إذا وضعناها حقا تحت المجهر، فسوف تقيم حياتنا كلها و لا تقعدها. في محاولتنا الأولى لفهم العالم، ندرك شظاياه وتناقضاته التي لا نهاية لها. علينا أن نيأس من إعادة بناء السطح المألوف والهادئ الذي من شأنه أن يمنحنا راحة القلب. لا شيء يمكن أن يضمن لنا إستمرارية العالم وثباته. هناك حقائق ولكن لا توجد حقيقة مطلقة.

غريب عن نفسي وعن العالم

العلم، بالنسبة لكامو، لا يمكن الإعتماد عليه. تستمر النظريات في التغيّر، والعلم يبدأ وينتهي دائما في فرضيات. لقد تم إختزال العلم في معرفة وصور وصفية وفي مصطلحات علمية/شعرية. يتم إعاقة البشر بجدران ثابتة. هذه الجدران تتحدى كل محاولة للمعرفة الكلية. المعرفة هي زعزعة التناقضات. تم تصميم الوجود لقمع فضول الإنسان وتأكيد الرفض المطبق. ومن هنا يخبرنا العلم أيضا بطريقته الخاصة أن هذا العالم عبثي.

العبث يرفض النظريات العلمية والأخلاقية والمبادئ الراسخة. يتم تحفيز العقل البشري دائما من خلال الرغبة في المعرفة، ومع ذلك لا يجد شيئا سوى التناقضات والهراء. العالم مكان غير عقلاني تماما. ما يمكننا أن نفهمه هو مجرد أصداء الجدران المحيطة بنا. على العقل عندما يصل إلى حدوده أن يصدر حكما ويختار إستنتاجاته. هذا هو مكان الإنتحار أو التعافي. فالعبث هو مسرح ونتيجة لهذا الصراع؛ حاجة الإنسان إلى المعرفة وصمت العالم. العبث، في جوهره، ينتهي بالموت.

العبث هو الخطيئة بدون الله

في حالة العبثية، ينفي الفكر نفسه ويهدف إلى تجاوز نفسه في حالته الوجودية المتناقضة. يبدأ العبث على أنقاض العقل. الهروب، وهو مفهوم مرتبط بالدين، يمثل أسلوبا هشا ومتهورا ومضطربا للأمل. يقف كامو ضد الدين لأن هذا الأخير يشكل في حد ذاته إدانة للموت، كما أنه مجرّد من تمظهرات الحرية والإستقلال. إن الله يضمن الحرية، لكنه في الوقت نفسه يسلبها معناها بالكامل. يقدم الله الرحمة والراحة الأبدية، ولكن الشر يسود في مملكته الأرضية. فإما أننا لسنا أحرارا وأن الله القدير هو المسؤول عن الشر، أو نحن أحرار فعلا ومسؤولون بشكل مطلق ولكن الله ليس كلي القدرة. الله، في تمظهره الجوهري، مليء بالتناقض.

الموت باعتباره الحقيقة الوحيدة

يؤكد كامو أن الثورة هي الطريقة الوحيدة للهروب من العبث. كامو يرفض الانتحار بشكل واضح ويتشبث بالحياة. فكرته هي إحتضان الواقع، والموت، والعبث. إن ازدراء الإنسان للآلهة، وكراهيته للموت، وشغفه بالحياة، أكسبه تلك العقوبة التي لا توصف والتي يبذل فيها الكائن كلّه من أجل عدم إنجاز أي شيء. إنها تلك اللحظة من التفكير المطلق والصافي الذي تهدئ العبث. تلك المرحلة من التوقف والتأمل والعودة تكمل ظهور الوعي. إن معاناتنا وترددنا في العالم هو الذي يجعل البشر متمردين. عذابنا يهنئ إنتصارنا. في اللحظة التي ندرك فيها ذلك، تبدأ مأساتنا، ومع ذلك، فإننا ننتصر، بشكل عبثي، على خوفنا وقلة إدراكنا. يجب على المرء أن يتخيل سيزيف، بالرغم من شقائه الأبدي على الجبل، سعيدا و مبتسما.

خاتمة

تقدم عبثية كامو تفسيرا فكريا فريدا لمفهومي الوجود والعبث. الفلسفة العبثية تكشف في جوهرها التعقيد والصمت المنسوبين إلى الوجود الإنساني بأكمله. كان الحل الذي توصل إليه كامو هو الإستمرار في الحياة وإرجاع المعنى والسعادة إلى اللامعنى والشقاء. لا يتعلق الأمر بالهروب أو الإنتحار، بل يتعلق الأمر بمقاومة العبث، حتى في أكثر مظاهره عبثية و غموضا.


  • 1

   نشر في 22 نونبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 02 مارس 2024 .

التعليقات

تقديم ممتاز لفلسفة ألبير كامو! أعجبتني طريقتك في شرح مفهوم العبث وكيف يرى كامو التناقضات في الحياة. استطعت تقديم فهم موجز وإيجابي لفلسفته، مما يجعل القارئ يتحمس لاستكشاف المزيد. شكرًا لتقديم رؤية مفيدة ومحفزة للتفكير.
1
إلياس شتواني
شكرا جزيلا. أدعوكم للقراءة أكثر حول فلسفة هذا المفكر العظيم.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا