-"صباح الخير" ألقاها صبحي على الموجودين فور مروره من باب المصلحة

="أنت محال إلى مجلس تحقيق عاجل يا صبحي أفندي" قال ساعي المصلحة

-"مجلس تحقيق عاجل!" .. "خير! اللهم اجعله خير"

="لا أدري كل ما سمعته هو (حسن سيد أبو المعارف) ولا أدري من هذا وعما يتكلمون

-"كمال كامل أبو المعارف!" تسائل صبحي " قد يكون هو صاحب الشكوى؟"

="المدير ينتظرك في مكتبه، هو يريدك على الفور"

مضى صبحي إلى مكتب المدير مسرعاً ليتفقد الأمر، فهو لم يعتد مجالس التحقيق ولم يعرفها طوال مدة عمله في المصلحة.

عندما أدخلته السكرتيرة إلى الداخل كان المدير تبدو عليه علامات الحنق وكانت سيجارته تحترق في فمه سريعاً، إلى جانبه رجلان الأول هو مدير الشئون القانونية الأستاذ عصام عاصم والثاني الأستاذ زكي الشال أقدم موظف بالمصلحة.

="تعالى يا أستاذ صبحي!" ناده المدير حيث كان صبحي بالباب.

-"صباح الخير يا حضرة المدير" بنبرة أسيفة كأنه يعتذر عن التأخير

="خير! من أين يأتي الخير يا سيد صبحي وأول أعمالي لليوم هو مجلس تحقيق عاجل! جديرٌ بك أن تقول:" صباح القلق .. صباح المتاعب .. صباح.. "

-"ماذا حدث يا حضرة المدير؟"

="حسن سيد أبو المعارف"

-"ثم؟"

="ثم ماذا؟ ألا تعرف لماذا أنت هنا؟!"

-"للأسف لا أعرف .. أرجو أن أفهم .. "

أشار المدير إلى الأستاذ عصام عاصم ليتدخل فبادره بشيء من الرسمية:

="إذا كنت لا تعرف، فعلى أن أخبرك أن المرحوم حسن سيد أبو المعارف قد مات"

-"مرحوم!" حســـــ .. أبو المعارف؟ .. هل هذا المجلس يحقق في موت المرحوم -الله يرحمه- أم أنني متهمٌ بقتله .. أظن أن ثمة خطأ في الأمر!"

="سأسألك مباشرة يا سيد صبحي: لماذا لم تذهب إلى العزاء؟"

-"عزاء؟! عزاء من؟"

="المرحوم حسن سيد أبو المعارف!!"

-"أرجوك الأمر يتعقد أكثر بهذه الطريقة .. لماذا أنا هنا؟!!"

="لقد وصلت منذ يومين برقية تحمل تعليمات بواجب العزاء"

-"آخ .. يا لسوئي، أعذروني أيها السادة، أنا أطلب منكم السماح، وأرجو أن يغفر الله لي .. أين الرجل؟ .. اه إنه مرحوم الآن .. لقد وددت لو اعتذرت له بشكل شخصي .. البقاء لله على أية حال .. آآآه هذا خطأي .. أستغفركم أيها السادة!"

ثم وقع الجميع في صمت لم يدم كثيراً عندما استدرك صبحي كأنه قد تذكر شيئاً فجأة:" لكن! ... لماذا مجلس تحقيق؟"

="لأنك لم تنفذ التعليمات" نهره الأستاذ زكي الشال فجأة.

-"تعليمات! أيُّ تعليمات .. تعليمات من؟؟؟"

="تعليمات الإدارة"

-"الإدارة! لقد عدت لا أفهم شيئاً أيها الحضرات"

هنا انبرى الأستاذ زكي يتحدث بقوة وكأنها كانت لحظته التي هو موجود لها: "لقد وصل مكتبك منذ يومين برقية عزاء واجب في المرحوم السيد/ حسن سيد أبو المعارف بناءًا على تعليمات الإدارة .. لكنك لم تنفذ التعليمات"

-"أظن أنكم مازلتم تخطؤونني، فأنا لا أعرف المرحوم .. السيــــد .. سيـد .. الـ .. المعارف .. لقد تعرفتُ عليه لتوي!"

يتدخل الأستاذ عصام عاصم ماداً يده بورقة: "هذه هي البرقية .. يمكنك أن تقرأها .. هذه النسخة من الأرشيف في قسم شئون (الواجب) الموجود بالإدارة والذي يختص بتدبير وإدارة المناسبات الاجتماعية"

تناول صبحي الورقة وهو يهمهم:" كيف تدعوني إلى مناسبات أناس غرباء؟! .. أنا لا أعرف الرجل!"

عندما نظر في البرقية بدأ يقرأها سراً .. فقال له المدير: "اقرأها بصوت عالٍ"

توجيهات من المستوى الأعلى

من/ معامل قسم شئون (الواجب) بالإدارة

إلى/ معامل مصلحة الأرشيف قسم (البرق والبريد)

عزاء واجب

يُخطرُ من بيده الأمر في مصلحة الأرشيف ممن قامت إدارة المستوى الأعلى بتعيينهم لتسيير أعمال المصلحة بالأمر المباشر من مدير المصلحة أو من ينوب عنه بالأقدمية، لزوم إرسال مندوبٌ عن مصلحتكم إلى عزاء السيد المغفور له/ حسن سيد أبو المعارف يوم الأربعاء القادم بدار مناسبات قسم (الواجب) لتقديم واجب العزاء الواجب.

لا مجال للتقاعص ،،،

في الإنسانيات

="ها .. هل لديك أي تعقيب؟" سأله المدير

-"احم .. أ .. أنا .. أنا لا أعرف ماذا أقول، لكن ما أستطيع أن أؤكده هو أني لم ألحظ هذه البرقية على مكتبي فأنا أستقبل مئات البرقيات وأوراق الطلبات يومياً.

لفَّ صمتٌ المكتب ثم قال بصوتٍ ذليل:"ما وجه إدانتي؟ ماذا تمكن أن تكون تهمتي؟

="الإهمال في العمل والتقصير عن الواجب"

-"وماذا يمكن أن تكون عقوبة ذلك؟!"

="بالتأكيد لن تصل إلى درجة الحرمان من الموت، لكن تخيل إن كانت هذه العقوبة ممكنة!"