عزوف عن المألوف - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عزوف عن المألوف

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 18 فبراير 2021 .

عزوف عن المألوف

الفرار ليس بقرار فلم يا نفس الاغترار..

..هيام فؤاد ضمرة..


لنا الحق أن نتألم بداخلنا بشدة، حين ندرك حجم التقصير العربي بتحصيل الثقافة العامة والمتخصصة من بطون الكتب وعائلاتها في المكتبات، على رغم ارتفاع نسبة التعليم حتى المستوى الأكاديمي العالي، فما الدافع لتقلص المطالعة إلى القيمة الدُنيا في هذا العالم الذي ما فتئ يشتكي زمن الجهالة التي مرت على مجتمعات العرب في القرنين الأخيرين من الحكم العثماني..

فالمجتمعات العربية التي لم يعد حكمها بيدها، كان مضى عليها عقود طويلة تعرضت فيها لسلسلة من الأزمات وتسلط مطامع الشعوب الأخرى عليها، عدا عن الخلافات الداخلية، التي كانت تعطل الركب وتزلزل حالة الأمن الاجتماعي والأمن السياسي، مما عرضها للتراجع على جميع الأصعدة، فعدم الاستقرار يولد حالة الجمود والتراجع، ويؤدي لنتيجة مؤسفة إلى حالة الانحطاط الحضاري والثقافي، ويؤخر خطى الأمم بل ويعطل مسيرها.

فمنذ أن تم اكتشاف آلة الطباعة والعالم يتحرك بخطى سريعة يسابق ذاته نحو الإرتقاء والتحضر في كافة الميادين، والثقافة على رأسها، لأن العلم أساس الحضارة وداعم الثقافة الأول، فكلاهما يسيران على تواز غير بعيد، فتقدم العلم يفتح للثقافة منافذ وطاقات، ويسهل لها العبور إلى مستوياتها العليا.

فأين القراءة من أمة العرب، وكتابهم القرآن الكريم يستخدم فعل الأمر في الحث على القراءة والعلم والتفكير التحليلي المعتمد على العمق العقلي، فهم والحق أمة (إقرأ) ونبيهم المصطفي هو القائل " إن الله يحب اللذين يضطجعون على جنوبهم وهم يتفكرون".. فأين منهم أقوالهم المأثورة بالعلم نورٌ، وخير جليس في الأنام كتاب، وخير سمير بالترحال كتاب، وجدار من الكتب أقوى من جدار الاسمنت.. فكيف تحول العرب من أهل كتاب وعلم إلى أهل تسول مكتفيين بالإقبال على ثقافات الغير غير العربي، مع فارق الثقافات مما هبط بمنسوب الثقافة إلى مستوياتها الدنيا، فأين من هذا العالم علماء بقيمة علماء الماضي الذين كان يتكبدون المشاق بالترحال على صعوبته وطول زمنه لنهل العلم والثقافة، ومقارعة العلماء ومنافستهم على التفوق والبيان.

فنتساءل بذات الألم ما يمنع الناس في بلاد العرب عن المطالعة، رغم أن الغالبية من الناس باتت تتحصل على ثقافتها الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال الرسائل المتداولة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، والاعتماد على المعلومة المختصرة والقراءة الالكترونية القصيرة التي لا تتعدى بضع كلمات.

بأي تعريف يمكن صياغة وصف المثقف..؟ ابن خدلون أفرد مساحة فصلا كاملاً من مقدمته ليمنحنا وصفا للمثقف فأدخل بدائرتها الفقهاء، والعلماء، والأطباء، والحكماء، والبلغاء، والخطباء، وأصحاب القلم من الكتاب والأدباء، والرحالة في سبيل البحث العلمي والمعرفة، وأهل ملاحقة التسجيل والتوثيق، وعلماء الاجتماع الدارسين، والمؤرخين، وكتاب السلاطين.

وبالاعتماد على الإحصائيات التي حددتها الدراسات التي قامت عليها عدة جهات في بلاد العرب، قياساً للاحصائيات التي قدمتها دراسات غربية لنفس الموضوع، فسنقف بذهول أمام البون الشاسع في نسبة معدلات القراءة عند الطرفين، رغم أن التكنولوجيا وصلت بلاد الغرب قبل أن تصل بلاد العرب.. فوفقاً لتقرير اليونسكو التابعة للأمم المتحدة فإن الفرد الغربي يقرأ 200 ساعة في العام فيما العربي يقرأ أقل من عشر دقائق سنويا كبارا وصغارا، وأن من ضمن ملياري عربي هناك 60 مليون أمي لا يكتب ولا يقرأ، والبحث العلمي يكاد لا يذكر،

غير أن دولتين عربيتين سجلتا نسبة جيدة بمستوى القراءة بعد تحرك الجهات الرسمية فيها، هي مصر والسعودية من خلال خفض أسعار الكتب، ووفرة المكتبات، وإنشاء مكتبة الأسرة، والمكتبات المتحركة الرخيصة..

هذا الفارق يشكل صدمة حقيقية لا يمكن السكوت عنها، ونفس الدراسات أرجعت الأمر لارتفاع نسبة الفقر والبطالة، وارتفاع عدد ساعات العمل عند العربي عدا عن عدم توفر الوقت وقصور المال، وانتفاء توفر راحة البال والأمن، حيث العربي لا يملك تأمينا ولا ضمانا كافيا، وبالمحصلة فهو مواطن منهك مشوش التفكير، يعيش خالة من الاحباط والقلق واليأس، والنظر إلى الثقافة والأدب على أنها مجرد بذخ لا طائل يذكر منها ولا ربح مادي منها يجنى.

ليس هناك قراءة بلا فائدة، فهي تنشط الذاكرة وتثري المعلومة وتحسن القراءة الصحيحة والسريعة مع الفهم ومتابعة المعلومة فضلا لكونها طريقة لعدم تبديد الوقت والسقوط بالفراغ المدمر للنفس، فالقراءة تخفض التوتر وجدار مانع للزهايمر والهرم المبكر

فالقراءة نافذة ضخمة مفتوحة على العالم لا تنغلق، متعددة المواصفات والثقافات، وهي التي تمدنا بالمعلومة باتساع وإمتاع، فهي تقضي على الجهل، وتنور العقل، وتعظ العاقل، وتنبه اللبيب، وتوسع المدارك، وتعلي الأفق الفكري، عدا كونها المعلومة الصحيحة غير المتلاعب بها لأغراض سياسية أو عنصرية استعمارية، همها أن تشوه الحقائق لتحقق مغالطات في المفاهيم، تقلل من شأن الآخر، وتنسب الحضارة لنفسها، متجاهلة حالة الانقلاب الحضاري بين الغرب والشرق، الغرب أمة تمتلك بنفسها روح العنصرية، وتظن نفسها أمة التحضر الأسبق لجهلها أو لتقصد تجاهلها بالمعلومة الصحيحة، وعلى هذا نستطيع القول أنها تعاني الجهل في جوانب أخرى من ثقافات العالم.

فالمستشرقون ولجوا دراساتهم المستشرقة لا ليظهروها على الملأ بواقعها الحقيقي، بل ليبحثوا في نقاط ضعفها فيلقون عليه زوم أضوائهم ويكشفوه، وهنا علينا أن لا نعمم ذلك على كل المستشرقين، لأن عدداً ليس بالقليل منهم خاض بهذه التجربة بصورة بحثية علمية ومنطقية أمينة ولأهداف نبيلة، منهم على سبيل الاستشهاد بعض المستشرقين الألمان.

هناك حقيقة لا بد من مواجهتها في أن الغرب قد يكون الأكثر قراءة وإن معدلات بيع بعض الكتب قد تصل الملايين.. لكن هل هو أكثر ثقافة متنوعة؟.. أم إن ثقافتهم تقتصر على المعرفة في شؤون مناطقهم الداخلية وأممهم والقراءة لكتابهم هم لا غير؟عزوف عن المألوف


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 18 فبراير 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا