لا شك أن الأفلام السينمائية -ورغم أنها تُصنع في الأصل للترفيه- إلا إنها تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل عقول مشاهديها والتأثير عليهم، وإلا ما استخدمتها دولة كبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، لتصدير صورة البطل الذي لا يُقهر، وهي صورة نجحت الولايات المتحدة في ترسيخها في أذهان ملايين المتابعين لأفلامها حول العالم على مدار عقود أنتجت خلالها مجموعة من الأفلام التي ترسخ لهذه الفكرة وتزرعها في عقول المشاهدين، رغم أن القارىء لكتب التاريخ سيعرف بسهولة أن الأسطورة الأمريكية المتمثلة في ذلك الجندي الأمريكي مفتول العضلات الذي لا يُقهر ما هي إلا أكذوبة سينمائية بعيدة تمامًا عن الواقع، وما حدث في حرب فيتنام على أرض الواقع خير دليل، ولكن السينما الأمريكية بقدرتها الهائلة على الانتشار نجحت في خلق أسطورة وهمية وتشويه عقول الملايين حول العالم.

وإذا تحدثنا عن السينما الأمريكية وتأثيرها اللامتناهي في تشويه العقول فلا يوجد ما يمنعنا من التفكير في السينما العربية، وبالأخص المصرية، وتأثيرها على عقول مشاهديها، وإذا ذكرنا السينما المصرية فلا يمكن أن نتجاهل زعيمها، عادل إمام، كما ينظر له الكثير من الفنانين في مصر والعالم العربي، بل ونسبة ليست ضئيلة من الجمهور أيضًا.

صعد عادل إمام سلم النجومية بعد تراجع كبير لنجوم السينما الكلاسيكية، مثل عمر الشريف الذي اتجه للعالمية، وأحمد رمزي الذي ابتعد عن الأضواء، وغيرهم من نجوم سينما الأبيض والأسود.

ووسط منافسة ضعيفة، وظروف اقتصادية واجتماعية حرجة، استطاع عادل إمام صعود سلم النجومية حتى أصبح من نجوم الشباك وتربع على عرش شباك التذاكر فأصبح النجم السينمائي الأول في فترة التسعينيات التي اتسمت بقلة الإنتاج وهروب نسبة كبيرة من الجمهور من مشاهدة الأفلام العربية بدور العرض، حتى أوشكت السينما المصرية على الإفلاس.

قدم عادل إمام أكثر من 100 فيلم سينمائي، بعضها كان جيدًا من تأليف كبار كُتاب السيناريو في تاريخ السينما المصرية، مثل وحيد حامد الذي قدم معه "الإنسان يعيش مرة واحدة" عام 1981، و"الغول" عام 1983، و"الإرهاب والكباب" عام 1992، وغيرها من الأفلام التي أخرج بعضها مخرجون متميزون مثل شريف عرفة وسمير سيف.

وإذا كان عادل إمام قدم بعض الأفلام غير الكوميدية التي جعلت عشاقه يفخرون بقدرته على التنوع إلا أن المتابع لأفلام "الزعيم"، وبالنظر إليها بشكل إجمالي، يمكنه بسهولة ملاحظة أن هناك ثمة تشابه بين معظمها.

1- الأثرياء في أفلام عادل إمام

قال عادل إمام في أحد لقاءاته التليفزيونية إن هناك رجل ثري قال له ذات مرة إنه لا يحب الصورة التي يظهر بها الأثرياء في أفلامه لأنها تكون صورة مشوهة، فالأثرياء في أفلام عادل إمام دائمًا ما يكونون فاسدون، فأي ثري يجب أن يكون لص فاسد، وغالبًا عديم النخوة ومتزوج من امرأة لعوب تخونه مع صعلوك فقير، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في فيلم "سلام يا صاحبي" الذي لعب إمام بطولته عام 1986. ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يظهر بها الأثرياء كأشخاص فاسدين، فتلك الصورة تكررت كثيرًا في أفلامه واستمرت معه حتى فيلم "بوبوس" الذي قدمه عام 2009 الذي كان مبتذلًا من جميع جوانبه.

لا أنكر أن هناك رجال أعمال فاسدون، ولكن الإصرار على إظهارهم هكذا دائمًا، يرسخ في أذهان الجمهور أن أي رجل ثري لا بد أن يكون فاسد ولص، وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة من نظرة العوام في مصر للأثرياء، وحالة الاحتقان الطبقي التي ساهمت تلك الأفلام في استفحالها.

2 – الفقراء في أفلام عادل إمام

إذا كان الأثرياء يظهرون دائمًا في أفلام عادل إمام كأناس فاسدين منحلين، فإن الفقراء يجب أن يظهروا في أبهى صورة لكي يكتمل المشهد الطبقي المتطرف. فقراء عادل إمام دائمًا مثاليون يتسمون بالشهامة و"الجدعنة" وحتى عندما يتحرشون بالسيدات فإن ذلك يُقدم كمشهد كوميدي طريف يبعث على الضحك.

3- الزواج في أفلام عادل إمام

المتابع لأفلام عادل إمام يمكنه بسهولة أن يرى أن أهم ما يميزها هو المشاهد الجنسية المبتذلة المقدمة بشكل فج، وإذا سألت أي متابع للسينما المصرية عن أكثر ممثل قدم مشاهد جنسية على الشاشة، فستكون الإجابة بلا شك إنه عادل إمام، وكانت هذه المشاهد تقدم في إطار الزواج أو خارجه، وهنا سأتحدث فقط عن المشاهد التي قُدمت في إطار الزواج لأقول إن المتابع لأفلام عادل إمام ستترسخ في ذهنه أن الزواج ما هو إلا علاقة جسدية بين رجل وامرأة، فنجد عادل إمام في الكثير من الأفلام كان يلهث وراء الجنس بشكل جنوني، هو متعطش دائمًا لإقامة علاقة مع زوجته، ولا يشبع ولا يهدأ ولا يشغل باله سوى هذا الأمر، ويمكن أن نرى ذلك في فيلم "كراكون في الشارع" الذي قدمه مع الممثلة يسرا عام 1986، وكان يناقش قضية هامة أفسدها عادل إمام بحالة الابتذال التي يصر عليها، ربما لمزاجه الشخصي.

4-التحرش الجنسي في أفلام عادل إمام

نشر الممثل آسر ياسين مقطع فيديو على حسابه بموقع إنستجرام في شهر يوليو من عام 2020، قال فيه:

"موضوع التحرش مش جديد،أنا هتكلم عن المسئولية الفنية للكتاب والمخرجين والممثلين لأن من فترة مش بعيدة كان في أفلام بتتعامل مع التحرش بشكل عادي إن البطل يلمس الست في حتة مش كويسة أو إن الست الأجنبية مستباحة لأنها أجنبية وفي الآخر البطل بيتحب وبينتصر وده بيكون مثال للشباب"

وبالتفكير لدقائق قليلة في كلام آسر ياسين سنجد أن عادل إمام هو أكثر ممثل ينطبق عليه هذا الكلام حتى لو لم يذكر آسر ياسين اسمه، ويمكن أن نرى ذلك وضوح الشمس في فيلم "رسالة إلى الوالي" الذي قدمه عادل إمام عام 1998، وفيلم "عريس من جهة أمنية" الذي قدمه عام 2004.

أفلام عادل إمام الجيدة لا ننكرها عليه، ولكن لا يمكن أن نقول إنها كثيرة، ربما هي لا تتجاوز 25% من أفلامه، وهي نسبة ضئيلة، كما أن أفلامه السيئة ليست مجرد أفلام ضعيفة فنيًا، بل هي أفلام مخربة للعقول مشوهة لها، أفلام ساهمت بشكل كبير في تفشي ظواهر اجتماعية غير صحية على الإطلاق، مثل التحرش الجنسي، والحقد الطبقي وغيرها من الظواهر الخطيرة المُفسدة للمجتمع.