لكل قارئ ذوقه وانطباعاته حول الكتب. مثل الطبخ تماما، حيث يسعد كل فرد منا بعرض قائمة الطعام التي تُبهجه، سواء من حيث المكونات، أو أسلوب الطهي الذي قد يتسم بالفرادة والعمق، أو قد يكون مجرد خلط عفوي لخيرات الطبيعة، يُثير في صاحبه حنينا أو ذكرى.

لذا فكأي قارئ عادي أثارتني كتب بعينها، لا لأنها فريدة في بابها، أو مميزة بعرضها لقضايا أو أفكار جديدة، وإنما لأصالتها في عرض ما هو مألوف بعمق وسلاسة، ومزج بين ما يقتضيه العقل وما يكهرب الإحساس فينا.

أنشودة البساطة:

بمنتهى الوضوح المبهر، يلخص يحيى حقي علاقة الكاتب باللغة في قوله: "ينبغي أن تتركوا على كل لفظ طابعكم الذاتي، أن تجعلوه ينطق بأشياء لا يعرفها له القاموس. إن الذي يختار لكم ألفاظكم ليس هو بصركم باللغة، بل مزاجكم الفني."

وفي التفاتة حاسمة لوظيفة الكاتب يبدع قائلا: إن مهمة الكاتب أن يصلك بالتراث الروحي للإنسان في كل زمان ومكان.

أسئلة الصادق النيهوم:

في مقالات نافذة وعبقة بالانحياز إلى الحقيقة والجمال، والصدق الفني الخالي من التكلف، سطّر النيهوم ملاحظاته على التجارب الشعرية لعدد من الأصوات اللامعة في الوطن العربي، بدءا بالفيتوري ووصولا إلى أحمد مطر.

لكنه نقد ليس كغيره ممن ألفنا فيه استعراض القوالب النظرية والنماذج الجاهزة، بقدر ما هو تبصر بما تحت الكلمة من سعي للتجديد أو مراوحة في المكان. يقول النيهوم: " الطيش الشعري الذي لا يضع في حسابه عمليات البناء المرهقة، وحاجة البنائين إلى الزمن والبطء،ظاهرة واضحة لدى معظم الشعراء العرب. وهو مرض مشين نزق، لا بد أن يقود دائما إلى مشينة أخرى من الهرب".

ثم يتنبأ بما سيؤول إليه الوضع في سوق عكاظ قائلا: الشهرة سلم من القش لا يصلح للصعود.

شهلا حائري وكوكب المتعة:

بحس جارف روت شهلا حائري حكاية المتعة، أو الجنس المغلف بشعارات دينية، تخفي حقيقة الوضع المهين للمرأة في إيران.

طرقت شهلا أبوابا وأسرارا يصعب البوح بها خلف أسوار الملالي، وقدمت للعالم وثيقة حية عما تعتبره إسقاطا للعقد التجاري على العلاقة الزوجية. تقول شهلا: " يعتبر علماء الشيعة أن الذين يمارسون زواج المتعة هم مؤمنون يتبعون أسلوبا مباركا لتلبية بعض الحاجات الطبيعية. وهو ليس أخلاقيا فحسب، بل ينظر إليه كوسيلة لمحاربة الفساد والفسق." 

لكن الأمر يبدو مثيرا للدهشة، حين تصادفك في ضريح الإمام الرضا بمدينة "مشهد"، عشرات النساء اللواتي يتسكعن قرب شباك الضريح لتبليغ رغباتهن إلى الحجاج المهتمين.

هكذا علمتني الحياة

وحياة مصطفى السباعي ليست مجرد عرض زمني للأحداث، بقدر ما هي تبصرة بما يفضي إليه التوازن بين الروح والعقل.

 وبما أن الكتب التي يعرض أصحابها حيواتهم عديدة، فإن القارئ بحاجة لأن يتبين الفرق بين حياة تستحق أن تُعاش، وأخرى تكتفي بسد الفجوة بين ميلاد وموت.

يخبرك السباعي عن بعض سُنن العيش وتكلفته المرهقة بالقول: الشجرة المثمرة تتطلع إليها الأنظار، وتتساقط عليها الأحجار.

وعن السعي لترميم الآخر يجيبك قائلا: لا يفيد الوعظ إلا بثلاثة: حرارة القلب، وطلاقة اللسان، ومعرفة طبائع الإنسان.

أما عن تسديد العمل لبناء أمة فينبه إلى الخلل بقوله: إذا لم يحسن الأخيار طريق العمل، سلّط الله عليهم الأشرار.

المؤمن الصادق 

في بحثه عن المادة الخام التي تصنع الحراك المجتمعي، يتوقف إيريك هوفر عند عالم المنبوذين والمهمشين، ليجعل منه حجر الزاوية الذي يُحدث الفرق، في وقت يتوهم صناع القرار أن أولئك مجرد حجر ملقى في الشارع.

إن الإحباط وعدم الرضا يُغذيان السعي نحو التطرف والإرهاب، حتى في المجتمعات التي يتمتع أفرادها بالحرية، بينما يشعرون بألم في أمعائهم. يقول هوفر: " إن إحباطنا عندما نملك الكثير ونريد المزيد، يفوق إحباطنا عندما لا نملك شيئا ونريد القليل."

يغيب الإحباط حين يظل الفقر متصلا بالإبداع، لذا فإن القضاء على الحرف اليدوية، وصرف جهود الفقراء لتدبير لقمة العيش اليومية، يعزز صعود الحركات الجماهيرية الغاضبة.