ستبقى حملة الجنرال كافنياك في الصحراء الجزائرية مدونة في سجلات الاحتلال نظرا لأهميتها والصعاب المتعددة التي انتصرت عليها بحنكة غير معتادة وكذلك النتائج التي أحرزت عليها فورا وتلك التي أعدتها لمستقبل قريب ، وفي انتضار تسجيلها من قبل التاريخ لنقلها للأجيال القادمة ،تبقى راسخة في الأذهان كل من شارك فيها، فهي فعلا واحدة من تلك الرحلات التي نحلم بها في البطولة ويتعذر علينا تحقيقها في الكهولة نظرا لمقتضيات تلك الفترة من العمر.

تبدو المناطق الوسطى في القارة وكأنها تريد البقاء معزولة عن بقية العالم وابعاد كل غريب يحاول سرقة أسرارها، ان الصحراء الكبرى بحد ذاتها، أي الصحراء الوسطى أو ما يسمى بالفلات تشكل حرما لهذا المعبد المنيع ولا يعبر تلك الشطوط الشاسعة الا التجار وقوافل الابل أو الطوارئ أو كما يطلق عليهم قرصان الرمل، ولم نتعرف الى حد الآن الا على ضفافها ، نملك بعض المعلومات عن الجهة الغربية كونها مجاورة للمحيط حيث ألقى البحر ببعض الأوروبيين غرقت مراكبهم على سواحلها وروى لنا بعضهم عادات الجحافل التي تكون تارة هادئة وهائجة تارة أخرى تحت تأثير الرياح الرملية.

لم تكن حملة الجنرال كافينياك مغامرة ترمي الى الوصول أبعد من سابقيه بل كان هدفها التعرف الشامل على جميع الأشياء ذات أهمية :

ولم يكن دافعه الفضول بل حملته المتطلبات التجارية ومستقبل المستعمرة ومقتضيات الحرب الى الخوض في تلك الحملة، لقد شنت حملات أخرى لنفس الغرض بالموازاة مع حملتنا سواء في منطقة الجزائر أو منطقة وهران لكي يتم ضرب كافة النقاط في آن واحد ومنع السكان الذين تم الهجوم عليهم من اللجوء الى جيرانهم الذين لازالوا في آمان ولكن بعض الظروف الاستثنائية زادت من حدة المشكلات التي عشناها.

لكن استمرار الحروب في ممتلكاتنا بالجزائر وهي حروب يغذيها عبد القادر الذي يهرب منا دائما ويتحول من منطقة الى أخرى عبر الصحراء، هذا الجو المشحون بالعداء جعل القوافل تنصرف عنا في اتجاه المغرب غربا وتونس شرقا.

والهدف من حملتنا معروف وينحصر في الجوانب الثلاثة التالية التي هي الجانب الحربي والجانب الحضاري ومصالح المستعمرة والتجارة.

لكن الجنرال كافينياك لم يغفل العلوم وليت كل الجنرالات يستوعبون مهمتهم مثله، ان النخب الذكية لا تكتفي باختصاص ضيق وتستضيف حولها، خلال مسيرتها نحو هدفها في الأقطار المستكشفة على وثائق جديدة تشكل لبنة أخرى تضاف الى مبنى في الأقطار المستكشفة على وثائق جديدة تشكل لبنة أخرى تضاف الى مبنى المعارف الإنسانية ويعود ذلك بالفخر والمنفعة على الجميع وبالخصوص على صاحب القرار.

يتبع............