تمضي الأيام بحلوها و مرها لندرك أن قيمة الإنسان تكمن في تدبيره للأمور، و كيفية تفاعله معها، و مدى قدرته على تجاوز المحن كيفما كانت و مهما كثرت.
كيف يصنع نفسه بنفسه، و كيف يكون أفضل من حزنه العميق و ينهض بأقل كسور ممكنة و يحمل نفسه على الإستمرار في التقدم نحو أهدافها.. كيف يستمر في العيش و قلبه يخفق من شدة اليأس و الآلام ليصنع من عتمته نورا و من حزنه فرحا.
تمر الأيام أيضا و ندرك حقيقة أن للفرح نقيض، و أن الإبتلاء قدرنا الذي لامفر لنا منه. يقول تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ }.
تجدنا أحيانا نحاول التأقلم و تقبل الأمور و الرضا بقضاء الله و قدره، و أحيانا أخرى تجدنا نلعن الظروف و الزمان و الحياة بكل ما فيها نضعف و تقل حيلتنا نحو الكثير من الأمور التي لا نستطيع تغيرها.
صحيح أنه في أغلب الأوقات حينما تحل علينا الأحزان نجد أنفسنا في حالة من الجمود، عاجزين عن التكلم و كأن الكلام إنحسر في حلقنا نفضل الصمت لأنه و بكل بساطة لا يمكن لأي مواساة أو كلام أن يسعف نزيف أرواحنا المفجوعة، نفقد توازننا و تبهت الألوان في أعيننا، يقولون أن صاحب الفاجعة "أعمى" أي أنه يفقد بصره و قد لا يميز بين الصح و الخطأ في تلك اللحظات.
لما أنا بالذات؟! ماذا فعلت لأستحق ذلك؟! و لما إخترتني يا الله من بين جميع البشر!؟
ففي كل محنة و إن كانت منحة نفقد البضع منا و جزءا من إيماننا الذي كنا نعتقد أنه أقوى بكثير . دون إدراك منا ان لله حكم من وراء كل الذي يحصل، و أن امره كله خير و تدبيره عظيم فحاشاه سبحانه أن يغلق كل الطرق في وجه عباده و يحملنا ما لاطاقة لنا به، قال تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً اِلاَّ وُسْعَهَا }.
صحيح أنني مررت مؤخرا بمحن كانت أشد من قوتي و صبري بكثير إضطربت الأحوال فقدت و كسبت الكثير فيها. ظننت أنني لن أستطيع تحمل ذلك ولو لدقائق، ضاق قلبي و تعبت من الدنيا و أصبحت عاجزة عن فعل أي شيء. إعتقدت أنني لن أنجو من كل هذا بسلام لكن ما حدث هو غير ذلك فالله ينزل الإبتلاء بقدر وسع النفس. فالمؤمن إذا ابتلي ببلاء لجأ إلى الله، فيرزقه الصبر مهما اشتدّ البلاء وعظم.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومن يتصبر يصبره الله»، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر البلاء»، وفي رواية: «وينزل الصبر على قدر المصيبة».
أذكر أنني بعد كل ما حدث تمسكت بالقليل من الصبر الذي بقي عندي، إلى أن رفع البلاء و فرج الحال ف إستطعت الخروج بنفس قوية ثابتة أفضل مما كانت عليه. تغيرت نظرتي لعدة أمور، فالحياة هدفها أن تأخذنا في رحلة طويلة متعددة الفصول بتنوع تجاربها. لتجعلنا نفكر أنها أصعب مما هي عليه لكن الحقيقة هي ليست كذلك، لأننا نحن من ننظر للحياة من زاوية ضيقة يعمها السواد. كما أن الكثير من مآسينا قد تكون نابعة من تصوراتنا حول الحياة و جهلنا بسر الوجود و الغاية التي خلقنا لأجلها.
لكن هل سنستسلم بسهولة كلما ذاقت بنا السبل ؟!
* الحزن أودعه الله في الإنسان دون إستثناء، ولو امعنا النظر في الناس لوجدناه ماترك أحدا، فالكل يأخذ نصيبه من الحزن و من الفرج بعد الحزن، و من القصص الشاهدة على ذلك قصة سيدنا يعقوب عليه السلام الذي داهمه الحزن على إبنه، قال تعالى: { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }
لذا علينا أن نؤمن و نعلم منذ البداية أن المحن و الأحزان جزء أساسي من الحياة لتصبح صدمتنا أقل حدة.
* عندما تحل غمامة الحزن ستدخل في صدمة، سيحاول عقلك إنكار تلك المأساة ستشعر بالألم و الغضب و ستدخل في دوامة مختلطة من المشاعر .
* تذكر أنه لولا تلك النكبات و الشدائد لما كنت الشخص الذي أنت عليه الآن.
* تقبل الوضع و أكمل حياتك بقوة أعظم من ذي قبل، لأن الحياة ستستمر كأن شيئا لم يقع.
* لا تتجاهل حزنك و لاتتخلص من منه، إلا بعد أن يأخذ نصيبه منك، فلابد من إعطاء كل شيء حقه سواء كان حزن او سعادة حتى لا تفقد اللذة في إستشعار الأشياء.
* إمنح لنفسك الحق بأن تحزن و إذرف الدموع دون أن تجعله في الجزء المهمل، لأنه سيبقى في ذلك الركن ليقبض قلبك .
* كل المآسي عابرة، بما تحمله لنا من أحزان.
* لاتستسلم بسهولة مهما كان حزنك عميقا فمازلنا في مقتبل عمرنا الزهري و لم نرى من هذه الحياة سوى القليل، ولا تتخذ الحزن لباسا لك.
* كن صادقا مع نفسك حتى في أشد حالاتك.
*إيمانك الشديد بأن الله يساندك و أنه لن يتركك وحيدا هو محور صبرك و تغلبك على الحزن.
* حاول أن تستغل حزنك و تجعل منه شيئا مفيدا. فهو قوة دافعة يوقد في النفس شعلة لإصلاح الخلل و ضبط الأمور لإعادة بناء الذات من جديد.
-
زينب علي الوسطيطالبة بكلية العلوم القانونية تخصص قانون خاص، أشارك العالم نظرتي من خلال التدوين، شغوفة بالكتابة و القراءة و مصممة صور.
التعليقات
دمتِ قوية .
بالتوفيق و في إنتظار كتاباتك القادمة .