السيولة القانونية

وإهمال قواعد القانون الدولي

بقلم

دكتور/ إبراهيم محمد عبد الجليل

يردد البعض مقولة -ازدواجية المعايير- دون التعمق في النظر في دلالة المصطلح والنظرية التي تقف خلفه وتلك السطحية في التناول هي التي توجه تفسرنا ودراسة ابعاد الظاهرة والتي نسميها سيولة المعايير

وتستند الظاهرة الى نظرية الحداثة السائلة وهي نظرية اجتماعية طورها عالم الاجتماع البولندي (زيجمونت باومان)، والتي تشير إلى حالة من التغير السريع والاضطراب المستمر التي تميز المجتمع المعاصر، في عالم الحداثة السائلة تتغير الأفكار والقيم والمعايير باستمرار، ولا شيء ثابت.

ويعتقد -باومان- أن ما بعد الحداثة هي تعبير عن الحداثة السائلة، ففي عالم الحداثة السائلة، لا توجد ثوابت أو حقائق ثابتة ولهذا فإن ما بعد الحداثة ترفض الأفكار والقيم التقليدية .

وتتميز العلاقات الدولية في عالم الحداثة السائلة بالتغير السريع والاضطراب المستمر، وقد أدى هذا إلى زعزعة استقرار القواعد التقليدية للقانون الدولي، مثل مبدأ السيادة الوطنية.

وإهمال قواعد القانون الدولى يعني عدم الالتزام بها أو عدم تطبيقها بشكل صحيح، وهذا الأمر له العديد من الآثار السلبية على العلاقات بين الدول، وعلى النظام الدولي بشكل عام.

وهناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى إهمال قواعد القانون الدولى، فقد تلجأ الدول إلى إهمال قواعد القانون الدولى لتحقيق مصالحها الوطنية، حتى لو كانت هذه المصالح تتعارض مع القانون الدولى، وتلجأ الدول إلى القوة العسكرية للفرض على الدول الأخرى عدم الالتزام بقواعد القانون الدولى.

وقد تؤدي الظروف السياسية في بعض الدول إلى إهمال قواعد القانون الدولى، مثل الحروب الأهلية أو عدم الاستقرار السياسي، كما قد يكون ضعف المؤسسات الدولية إلى عدم تطبيق قواعد القانون الدولى بشكل فعال ، ويؤدي إهمال قواعد القانون الدولى إلى اضطرابات في العلاقات الدولية، وزيادة احتمالات نشوب النزاعات بين الدول.

يُعد الالتزام بقواعد القانون الدولى أمرًا ضروريًا للحفاظ على النظام الدولي وتحقيق السلام والأمن في العالم. فقواعد القانون الدولى توفر إطارًا للعلاقات بين الدول، وتحمي حقوق الإنسان، وتمنع النزاعات.

ومن الأمثلة على إهمال قواعد القانون الدولى حرب أوكرانيا حيث قامت روسيا بانتهاك مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومبدأ احترام سيادة الدول، ومبدأ حل النزاعات بالوسائل السلمية ومن الأمثلة ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية من استخدام القوة العسكرية ضد العراق في عام 2003 ، دون وجود قرار من مجلس الأمن الدولي، مما اعتبر انتهاكًا لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ومن الأمثلة على هذه الانتهاكات ما قامت به القوات العسكرية الإسرائيلية من قتل واعتقال الفلسطينيين، والاحداث الجارية حاليا مثال واضح لظاهرة سيولة المعايير.

ويصل الامر منتهاه عندما يتم الاعتداء اللفظي على السيد -أنطونيو غوتيريش- الأمين العام للأمم المتحدة والمتتبع لتصريحات الأمين العام السابقة والحالية يدرك تماما فهمه الواضح لظاهرة سيولة المعايير ومطالبته بإصلاح المؤسسات الاممية

ومن الضروري تعزيز الالتزام بقواعد القانون الدولى والقانون الإنساني من خلال تعزيز التعليم القانوني للأفراد في الدول المختلفة، لزيادة الوعي بقواعد القانون الدولى وأهمية الالتزام بها، وتعزيز دور المؤسسات الدولية، في تطبيق قواعد القانون الدولى، وتوفير آليات فعالة للمساءلة عن انتهاك هذه القواعد وتعزيز التعاون الدولي بين الدول، لتعزيز الالتزام بقواعد القانون الدولى ومواجهة التحديات التي تواجهه.

ويُعد إهمال قواعد القانون الدولى أمرًا خطيرًا له العديد من الآثار السلبية على العلاقات الدولية، وعلى النظام الدولي بشكل عام.

واصعب من ذلك كلة هو ظهور السيولة الأخلاقية للأفراد والمجتمعات ، ففي عالم الحداثة السائلة، يجد الأفراد صعوبة في التكيف مع التغيير المستمر، وهذا يمكن أن يؤدي إلى شعور بالضياع والاغتراب.

ويزيد الشعور بالفردانية حيث يسعى الأفراد إلى تحقيق الذات وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة التركيز على الفرد على حساب المجتمع، ويسعى الأفراد إلى تحقيق السعادة من خلال الاستهلاك. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستهلاك وزيادة النفايات.

 و في عالم الحداثة السائلة، وما يتبعه من ظاهرة سيولة المعايير والسيولة القانونية يؤدى الى عدم الاستقرار العالمى ، والعجيب ان ذلك كله مخطط له ولا يتم عبثا .