إلى غابرييل 18
رسالة أخرى وربما الأخيرة..
نشر في 04 غشت 2023 وآخر تعديل بتاريخ 06 غشت 2023 .
اليوم الثالث من أغسطس 2023
مُنتصف الليل.
عزيزتي غابرييل .
إكتمَل القمر أخيرا ..
وبقيتْ الكثير من الأشياء بهذا العالم القاسي المظلم مُعَلقةً إلى حينٍ و قدرٍ لا يعلمه أحد.
متعبٌ هذا المساء، مُتقوقعٌ على نفسي وأفكاري، أَسُدُّ كل منفذٍ أمام الآخرين، دون تمييز.
و لكني في الحقيقة، أترك دائما ممراً سريا لكِ، تعبرين من خلاله نحوي متى شِئتِ، دون طَرْق بابٍ أو دَقِّ جرسٍ أو أخذِ إذنٍ أو موعدٍ.
عكسي أنا الذي لا أملك حقا في التصرف، أفعل الكثير للبحث عن ثغرة بجدارِ فنائك لتقودني إليكِ.
مغلقٌ هذا المساء، لافتة close وُضِعت بباب متجر أنا، لستُ بانتظار أحدٍ، أو استقبال زائرٍ.
مغلقٌ وحسب.
أحيانا أقول أني أقسو على البعض، وأحيانا أقول أني لا أقصد ما أفعله، هو إحساس يجتاحني، ويجعل مني مجرد كتلة من الصمت، موصدة النوافذ والأبواب، لا مصابيح تنير شوارعي أمام الزائرين.
كل الطُرق إلى قلبي لم تعد مستقيمة، و لا هي اللافتات غدت واضحة للقراءة أو مفهومة.
لم يعد هناك ما يستحق الزيارة بالأساس.
ماذا أفعل؟
تتساءلين..
في إستسلام واضح، مستلق خائر العزيمة بعدما خسرت بكل الجولات، أُسافر عاليا و أُبحِر في سماء متمردة عن الحدود، لا أُحدقُ هاته الليلة إلى النجوم مثلما إعتدتُ.
ففي حضوء السيد يتلاشى دورُ الخدم و يخبو وهجهم و ينطفيء حضورهم.
القمر جميل جدا في حلته البيضاء، ومتأنق على نحو مختلف لم نألفه وبعيد كل البعد.
مثل الحلم بهذا الوطن مثل الحب، بعيدُ جدا جدا، و من الصعبِ بُلُوغه أيضا.
شاسعة هي المسافة بيني و بينه، مرهقة وطويلة سلسلة الأرقام التي تقودني إليهِ.
على ذِكر الأرقام، هناك أشخاص غَيّرتهم أرقام، و أنا الذي لن يغيرني شيء عنكِ يا معضلتي.
السكون يخيم على المكان، من حولي و بداخلي ...
نسمات عليلة تخترق جدران السطح و تلهو بنهايات الأغصان وتمارس سطوتها عليها مثلما فعلت معنا الأيام، و الصدف .
و كما أغرقتنا الأقدار أيضا..
تلك التي رفعتنا ذات يوم عاليا، تلك التي أقنعتنا أننا نملك أجنحة، و تلك التي سحبت بساطها السحري من تحتنا و تركتنا لظلام القاع وعنف الوحدة.
القمر يحاول اختراقي بضوئه الساطع، يجهد نفسه عبثا في البحث عن ثقوب بجسدي، دون أن يدري أني مجرد ثقب أسود صغير بفضائي، أسحب كل شيء نحوي دون حاجة للإنتقاء..
ألتهم كل الخيبات تباعا دون شعور بالألم، وأنا موقن أني سألتّهِمُ نفسي يوما ما و ستكون النهاية والإنفجار لافتا ومبهرا .
لا شيء جديد هنا، يا عزيزتي
أواصل تصويب مسدس الواقع الصعب نحو رأسي دون أن أضغط الزناد، دون أن أُوَقِّع على نهايتي برصاصة أو إثنتين.
خانتني التاء وخذلني المعنى، و لم تعد أفتقدكِ تلك سوى أفقدكِ كل يوم و كل ساعة ودقيقة تمر عَلَيّ.
هكذا أُحس دائما، ودائما ما يكون إحساسي في محله.
لكني أرفض أن تكون نهاية كل ما تشاركناه على هذا الشكل المحزن والمُخيِّبِ
مضت أيام و لم تكتبي لي، لم تُشركيني بأيامكِ، أو تشاركيني صورة لحديقتكِ، لقارورة عطركِ الجديدة.
لماذا؟
يا ترى أمازلت تضعين من العطر نفسه؟
كنتُ كلما شعرت بالظمأ إليكِ أعود إلى قارورة عطركِ أتأملها و أروي عطشي باستنشاقها، أقول ربما وضعتْ يدها هنا؟ لا ربما لامستها بأصابعها الرقيقة من هاته الجهة؟
ويتعبني السؤال دائما.
غابرييل أيتها البعيدة.
أحس بالمسافات تتفاقم بيننا كلما زاد صمتكِ، و إلحاحكِ في مُواصلة الصمت، و عزلتك المفروضة و خلوتك التي لم أعد أفهمها إطلاقا.
أنا اليوم مجرد منسي، مجرد شاهد قبر بإحدى المقابر المهجورة التي لم يعد لها زوار أو دُعاة او أحباء ..
لم يعد هناك من يفاجؤنا بباقة نرجس أو ياسمين.
مقبرة النسيان.
أرجوكِ، لا تتركيني للنسيان، و مخالب الوحدة تقطع روحي وتوقد النيران بأطرافي العارية ..
كوني زائرتي التي أضل أنتظرها، وأحيا لسماع صوتها ..
كوني بخير..
حتى إن لم تأتِ، سأنتظرك.
فلم يعد لي غير الإنتظار سكينا أتمسك بطرفه الحاد وأنا أنزف غير مبال بعمق الجرح و لا بكمية الدم المهدور.
بَعدكِ يا عزيزتي يصير كل الألم كل الوجع بلا معنى.
يُنسى و كأنه لم يكن..
أردتُ أن أكتب لكِ أطول وأطول، كان في وِدّي أن أبقى و لكني خفتُ من أن تُظلم فجأة وأنسى طريق العودة نحو الداخل، لهذا أقولُ لكِ ختاما ما قالته جودي لصاحب الظل الطويل ذات يوم.
ينتاب المرء شعور هائل بالفراغ حين يعتاد أشخاصا أو أماكن أو أنماطا في العيش ثم تُنتزع منه.
ولستُ الآن سوى قالب فارغ من كل شيء.
ربما ستكون الأخيرة، لن أزعجكِ بعد اليوم
كوني كذلك.
المخلص
آرثر
-
Abdelghani moussaouiأنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي