جمال تسوِّره جدران الترقيم..
هيام ضمرة..
غرام استثنائي غير محدود يربطني دوماً بعلامات الترقيم، يأخذني لهفي إلى دفء أحضانها والتعلق بتلابيبها مدعومة بوشائج اعتبارات ملازم النسيج، فهي في عُرف الكتابة دررٌ مضيئة ترصف أحجارها الثمينة تاجاً فاخراً جُهز خصيصاً لمراسم تتويج الكتابة الارستقراطية، حين الكلام يصبح له إشراق منير، وحيث المعنى يصبح أكثر وضوحاً وأشدّ تحديداً وتوصيفاً، فإذا النقطة تقف كمارد عتيد غير هيَّاب لا تأخذها حيرة، وتجبرها رغماً عنها قوانين الجيرة، صامدة في موقع التبجيل، تحمل صولجان سطوتها بأمر الوقوف، تنهي الجدال بلا تعقيد، ولا مواصلة تقعيد أو
إسهاب أو تحفيز، فالأمر فاصل والدعوة ملزمة بدستورٍ لا يحيد عنه بأيِّ من طرق المبالغة، هي جادة جداً، وهي محكومة بلا أدنى جدال، أو بأساليب الأخذ بالأسباب بقانون يُحكِم سطوة سلطانها ويُعلى قيمتها، لله درّها حين تضع حداً لإغلاق الموضوع عند الحاجة للانتقال بين فكرة وأخرى، وحين الوصول لنقطة النهاية بلا أدنى تراجع، هكذا هي صارمة تماماً، حازمة لا يثنيها عن موقفها لحظة تردد.
تتبعها الفاصلة بالمرتبة اللاحقة، لا ينوب عنها نائب، ولا تنخفض عن مستوى الايضاح حتى وإنْ فاجأتها أنوار اشراقات الإصباح، عروس السطوع في احتفالات الوضوح، هي دوما ترتدي ثوب الخادم الأمين، تفصل الجملة عن الجملة، وتحدد تفاصيل وحدود الفكرة، وكأنها بين صورة وصورة تخاتل اتساع اللوحة، على مراسم الأصول بين مواسم الفصول، خفيفة على المتن، رشيقة القوام ولها أجلِّ مقام، رؤيتها ثاقبة وإن كانت تمتلك العين الواحدة بالنظرة الواثقة، تمهد للنقطة وترفع قبعتها تحية لجلالها، وكأنما هي الوزيرة في بلاط الأميرة، تشدُّ حبل المداد في عوائد مَن كتبوا بالسداد، تؤدي المهمة، وتزيل الالتباس لتخرج النص من أي مساس، يحبها الجميع لوضوح موقعها وأهمية عملها وثبات قيمتها.
وليته الكاتب يبين لنا كمال النص؛ لأن الوضوح غاية كل نص مكتوب، كيف تكون علامة السؤال وهي تتراءى كعنقود يتباهى برغبة مطالب الايضاح؟ فالطلب مرهون بلياقة الطالب، والسائل ساعي في عوالم المعرفة يشرِّع أبواب المقال للولوج إلى متن النص بلا تعقيدات تغلق على المتلقي فهم المقال، بكل تواضع تمهد لرفع اللبس وإزالة عقبات الاسترسال، فعلامة السؤال جوهرة تضيء مسالك الايضاح بلباقة وكياسة دون حرج، هي علامة لكنها تفتح المجال لاكتشاف الجواب وربما اتاحة المجال لنفاذ مزيد من الأجوبة على قارعة الاستفهام، فتختتم جملة السؤال انتظاراً لورود الجواب.
وما من أحد بإمكانه أنْ يشرط لإشارة الشرط مكانها دونما أخذ موافقتها! فهي تقف كالحارس الأمين ممتطية صهوة النقطة على بوابة الاستئذان، مشترطة على الحالة مسارها للوصول لحالة الدهشة والانفعال، فهنا تقيم أوابد معاشها ومستقر سكناها بعد حرف (ما) المعبرة عن الدهشة، وهنا تضع علائم شرطها، ويا ويل من يلوي معناها، فلعلامة الشرط قانونها، ووجودها يضيف لمظاهر الترقيم أهميتها، حيث تجعل النص يبدو بكامل هيئته أنيقاً جذاباً واضح المعاني والصور، وليصبح النص لائقا لأن يميس بوضوحه أمام ناظري وفي ذهنية المتلقي، وهكذا لبقية العلامات كلٌّ يحفظ موقعه بلا تعدي على غيره.
وتأتي الفاصلة المنقوطة؛ لتعبر عن السبب والنتيجة، تظهر على استحياء لتجلس على مقعد القطع السريع للمشهد، فتبدو بشكلها الأنيق فريدة غير مكتظة الوجود، تسوق للمعني تكملة بتوضيح السبب وبيان نتيجته ، فتبدو مثل صبي يقفز وهو يلتقط كرة المعنى ويعود إلى قذفها ثانية بفرح، فتأتي بين سببين يفسر أحدهما الآخر.
قوسيّ الاقتباس لحفظ الأمانة في حق الملكية الفكرية، قوسان صغيران لكن أثرهما في بيان المصدر والانتماء حق أدبي وخلقي وفكري، فالجملة المقتبسة يعانقها قوسان صغيران يظهران حدود وأمانة النقل، ويشيران إلى أن الكاتب برئ من حقه فيها، وأن الجملة منقولة عن كاتب آخر، وهي هنا إنما تستخدم للبيان بالربط بين الموضوح المطروح والجملة المنقولة على سبيل الاستشهاد.
أما الشرطة الاعتراضية- فهي علامة تأتي بعد الجملة الاعتراضية لتظهر واقعة الاعتراض، وقد تكون شرطتين على طرفي الجملة لتحدّ الجملة الاعتراضية وتحبسها بينهما، توضيحاً وبياناً
وتأتي النقطتان الرأسيتان بعد القول، كمثل قال، وقالت، ويقولا، وتقولا، وقالوا..الخ.. كما تستخدم بين الشيء وأنواعه.
وكما نرى فإشارات الترقيم علامات غير منطوقة لكن لها لغة مفهومة.. فهل على هذا اكتفينا للجمال الأدبي جداراً يؤطره الترقيم؟
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية