الحج والحياة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحج والحياة

  نشر في 13 غشت 2018 .

إن القلب ليشتاق، قد تاق إلى بيت الله الحرام، ويزداد صبابة في مثل هذه الأيام من كل عام، أيام الحج، لا يفارقه التفاف حجاج بيت الله حول الكعبة بالطواف، يقول: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.

وإن كنت في غيرها فإن القلب في مكة، ولا أقول لكم ردوا علي فؤادي، اتركوه هناك، عسى أن يجتمع القلب والجسد يوما بثياب الاحرام.

في عشر ذي الحجة، يتأهب المسلمين من شتى بقاع الأرض لأداء فريضة الحج، ليكملوا الركن الخامس من أركان الإسلام، أتوا إلى بيت الله خاضعين، هذا يرجو مغفرة الذنب وذاك يطلب الجنة، وآخر يطلب من الله ما عجزت عنه أسباب الحياة الدنيا.

ولا يقتصر الحج على أنه ركن من أركان الإسلام لكنه تجسيد لصورة الإسلام كما يجب أن تكون وكما أمر بها الله -عز وجل-.

فهو مبعث لتوحيد المسلمين على وجه البسيطة فمع اختلاف بلادهم وثقافاتهم اتفقت وجهتهم، توجهوا نحو مكة تجاه بيت الله العتيق، ومع كثرتهم واختلاف لغاتهم إذا سمعوا نداء الصلاة تراهم صفا كالبنيان المرصوص، يؤدون المناسك في آن واحد، إذ رأيتهم يعجبك ما هم عليه، هذه الوحدة التي تحققت دون اتفاق أو تخطيط مسبق، دون أن يعرف بعضهم البعض، بل دون أن يفهم بعضهم البعض، فيا ليت هذه النبتة الطيبة يصبها وابل من رحمات الله لتكون صورة للمسلمين في كل مكان لا انحسار على الحج.

والحج قطع لرؤوس الشر من العنصرية والتكبر والخيلاء ، ودحر للطبقية إذ أن الأسود والأبيض، العربي والأعجمي والغني والفقير يرتدون ثياب واحدة فلا يظهر علي الغني غناه ولا علي الفقير فقره، وانكسار للمحاباة فالكل يطوف والكل يسعي بين الصفا والمروة في مساوة بين الناس حاكمين ومحكومين أعلاهم وأدناهم، وهذه المساوة وثقها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبه في حجة الوداع إذ يقول: ((وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله)) ،فمع أن العباس رضى الله عنه عم للنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحظ بمحاباة أو تميز عن غيره من عامة المسلمين، وهذا بلاغ منه -صلى الله عليه وسلم- لأصحاب السلطة والمنصب في أمته.

والحج ترسيخ للتوفيق بين العبادة والعمل فلما كان العرب في الجاهلية يتأثمون أن يتاجروا في المواسم نزل قول الله ((ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم))1 ليرفع الحرج ويبيح لهم التجارة أثناء الحج شريطة اجتناب الرفث والفسوق والجدال وقال بن عباس في تفسير قوله تعالي ((لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا))2 أنها منافع الدنيا والآخرة، فمنافع الآخرة رضوان الله، ومنافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والربح والتجارات.

وتلك رسالة للمسلمين من بعد أن الدين ما جاء ليتعارض مع الحياة، أو يقتصر على المساجد وحسب بل جاء منظما وموجها لها في مسارها الصحيح، فالأرض التي هي للمسلم مسجدا وطهورا3 يصلى متى أدركته الصلاة، هي أيضا ميدان له في الحياة يسعي فيها، فما كان الدين قط عائقا أمام التقدم والعمل والتعليم بل جاء دافعا ومؤيدا، وليس كما يدعي من تشدقت أفواههم بعزل الدين الحياة.

وفي الحج دعوة لمراعاة الغير ودفع للأنانية والاستئثار نحو الإيثار والود وإشارة للتكافل بين طبقات المجتمع، ويظهر ذلك في ذبح الهدي حين يخبر الله حجاج بيته أن يأكلوا منها ويطعموا الفقير إذ يقول -تعالى-: ((فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)4.

وإن من السفهاء من يجهل الحكمة من الشرائع فلا يعظمها فتراهم يقولون ما فائدة الحركات التي نؤديها في الصلاة؟، وما الصوم إلا قرار سيادي لا فائدة منه والحج طواف حول حجر وتقبيل حجر ورمي حجر بحجر.

إن فرائض الله وشرائعه لها وجهان، وجه ثابت لا يتغير وهو عبادته جل شأنه وتعظيمه وامتثال أوامره والوجه الآخر يتضمن من أمور الحياة ما يقومها فالصلاة مثلا تنهى عن الفحشاء والمنكر والصيام شعور بالفقير وما يكابد والزكاة منفعة للفقير.

وكذلك الحج، تُؤدى المناسك تعظيما لله -عز وجل- وامتثال لأوامره، فهل هناك أفضل من أن تكون ضيفا للرحمن في بيته؟، وكذلك فيه من المنافع دَلاَلَات ذكرنا منها القليل، فيا ليت مجتمعنا كمجتمع الحج!

...................................................................................

1: سورة البقرة الآية (198)

يمكنك قراءة تفسير الآية كاملة من هنا

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/qortobi/sura2-aya198.html

(2/4): سورة الحج الآية (28)

التفسير كاملا

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura22-aya28.html

3: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {أعطيت خمسا، لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة}.



   نشر في 13 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا