منذ أزل التاريخ والعبودية كانت سمة العصور القديمة التي أطلق عليها عصور الظلام فظهرت الحركات التحررية فكان لكل مرحلة مرادفاتها وصولا نحو التحرر من هذه القيود التي فرضتها سادية الأمس فكان الرينساس إحدى هذه الحركات حين ثارت على الكنيسة وأقامت للعلم مكانته بعد أن كانت الكنيسة هي المصدر الأول والوحيد لتسيير الناس وفرض الثقافة عليهم وفي العصر الحديث ربما لم يتغير جوهر العبودية شيء عن سابق عهده بل إن التغيير الوحيد الحاصل هو ذاك التغيير الشكلي في تطور الممارسات العبودية على كافة الأصعدة الحياتية لربما يتساءل القارئ عن فحوى هذه العبودية التي أطرحها في هذا المقال
عندما طرح هيجل في الديالكتيك الفرق بين الشكل والجوهر قال ما مفاده أن الشكل ما هو إلا تلك الدائرة المرنة التي يتحدد قطرها بطبيعة المجال الذي يتاح لها لكن يبقى محيطها وجوهر كينونتها واحد لذا لابد من إجراء المفارقة بين الشكل والجوهر في تعريفنا للعبودية على أنها ضرب من التقييد تفرضه السادية التي تنجم عن تلك الثنائيات التي يفرضها عصر ما في بيئة معينة منذ الأزل كان البشر يعولون الحقائق والمعارف لقيود تقع معضلة تحول بينهم وبين الإدراك المنير فحينما كانوا يتعاملون في حياتهم مع تمثلات الميتافيزيقيا بأبسط مفاهيمها كان مردهم في هذا التخبط والأسطرة فكانوا حينما يعجزون عن تفسير ظواهر الكون كانوا يحيلون ذلك لكل ما هو خارق فصنعوا من الشمس والقمر والكواكب والنار آلهة يقدسونها ويعبدونها ولم يكن ذلك بالمجان بل كان مرده قيودا فرضتها عليهم معطيات ذلك العصر حتى أصبحت تورث للأجيال اللاحقة بهم فكان الخروج على هذه المرتكزات ضرب من التمرد الذي لا يجزي صاحبه إلا بالخلاص والفناء إذ لابد للموروث أن ينتصر مهما كان ثمن ذلك ثم نمضي بالزمن للعصور الوسطى عصور الظلام الفكري وحكم الكنيسة وليس أدلّ على ذلك من حكاية محنة جاليلو الذي كان ضحية لعلمه وفي ذكر الحكاية إسهاب نحن لسنا بصدده فكان لابد في ذلك الزمان أن يظهر المخلّص رينييه ديكارت بأفكاره القائمة على الشك معتمدا في تصوره على البداهة والمعايشة والتأمل والاستدلال والاسترجاع وآليات أخرى فجعل من سابقيه - الرينساس- نقطة بداية لنهجه فكان رائداً لنظرية الشك وصولا إلى اليقين فكما قال الجاحظ في مغزى القول : الشك طبقات متباينة إنما اليقين فمرده الإطلاق
يتراءى للقارئ ههنا سؤال فما شأن هذا العصر الحديث بتلك المعطيات والمقدمة التي أسهبت في ذكر معالمها وخباياها لعل الجواب لم أصرح به تجنباً للإطالة لكن ثمة شكل من أشكال العبودية في القرن الحادي والعشرين أعتبره بشخصي الشكل الأخطر والأول في حدته إلى جانب ما سلف ذكره من أشكال كونه يتخذ من الإنفتاح واللين إلياذة للتنكر والخداع وصولا إلى أقصى درجات السادية الفكرية والثقافية بطمس الآخر وإثبات الوجود بإجراء العدمية على الشعوب النامية .
بين يديكم موجز بسيط لمقالي الأسبوعي حول العبودية بين التراث والحداثة
بانتظار ملاحظاتكم شاكرا لكم وقتكم الثمين
مذكرات باحث
-
مذكرات قلبأنا لا أقرأ لمجرد القراءة مهمتي هي الشك في كل ما هو مطروح أمامي فأستحسن البعض استحسانا تاما وأناقش البعض الآخر وأرفض ما لا يتماشى مع قناعاتي الثقافية الحقائق ليست في الكلمات بقدر ما قد تكون كامنة في الفراغات البينية التي ...