الفقه السياسي عند الإمام الغزالي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الفقه السياسي عند الإمام الغزالي

في السياسة الشرعية

  نشر في 25 مارس 2019 .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث هادياً ومعلماً ورحمةً وكافةً للناس أجمعين وبعد:

فإن موضوع الفقه السياسي من الموضوعات المهمة والتي ينبغي أن تتوجه إليها عناية الباحثين في علوم الشريعة الإسلامية عامةً، والباحثين في السياسة خاصةً، وذلك لما لهذا الفقه من دورٍ كبيرٍ في مواجهة الواقع الذي نعيشه بسياساتٍ تهتدي بأصول الشريعة ومقاصدها العامة، وقد امتلأ تراثنا الفقهي بالكثير من الأبحاث في فقه السياسة الشرعية، ولكن الكثير من هذه الكنوز لم ترى النور بعد، أو لم تنل الاهتمام الجدير بها، وهذا الأمر يستدعي تضافر جهود الباحثين والعلماء لإحياء تراثنا الفقهي السياسي ليستهدي به السياسيون المعاصرون في صناعة سياسةٍ مهتديةٍ بقواعد الشرع ومقاصده.

ومن العلماء العظماء الذين أغنوا تراثنا الفقهي السياسي حجة الإسلام الغزالي رحمه الله ، وذلك في العديد من كتبه كالإحياء وفضائح الباطنية والاقتصاد في الاعتقاد والتبر المسبوك في نصيحة الملوك وغيرها.

يركز الإمام الغزالي في فقهه السياسي بشكلٍ كبيرٍ على منصب الإمامة ويسوق الكثير من الأدلة الشرعية والعقلية على وجوب إقامة هذا المنصب لما يحققه من مقاصد إسلاميةٍ كبيرةٍ، ويوجه الغزالي خطاب الوجوب إلى أهل الحل والعقد ومن ورائهم الأمة جمعاء، ويرى أن الإسلام لا تقوم له قائمةٌ من غير إيجاد منصب الإمامة الذي يحمي الدين ويجمع شتات المسلمين، ويدفع صولة الأعداء المتربصين بديار المسلمين، ولذلك نجده يستميت في الدفاع عن الإمامة رغم تحولها إلى منصبٍ رمزيٍ في زمانه، وذلك حفاظاً على وحدة المسلمين.

من جهةٍ أخرى نرى الإمام الغزالي يقف سداً منيعاً في وجه الفكر المنحرف الخبيث الذي كان يبثه دعاة الباطنية والذي يهدف لإسقاط الإمارات السنية وإحلال الحكم الباطني الرافضي المنحرف مكانها، وقد كتب الغزالي كتابه ( فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية ) دفاعاً عن الخلافة السنية وتفنيداً لمزاعم المشروع الباطني الرافضي الخبيث.

كما أن الإمام الغزالي رحمه الله واجه انحراف بعض الولاة الظلمة في زمانه، وقد دعا إلى إقامة نظام الحسبة في المجتمع، وأن يكون هذا النظام قاضياً على كل طبقات المجتمع من رجل الشارع العادي إلى الحاكم، كما انتقد بشدةٍ أخطاء الولاة الظلمة ودعاهم إلى الخروج عن المظالم وإعطاء الحقوق لأصحابها، فإن لم تنجح وسائل الإصلاح معهم فيكون الانتقال إلى مرحلة المقاطعة الشاملة لهم، حتى يتم حصرهم في أضيق نطاقٍ تنكسر شوكتهم فينزلوا إلى حكم الشرع ويردوا الحقوق إلى أصحابها، ويقيموا ميزان الحق والعدالة. 

وعليه يمكن قول ما يلي:

1 - عاش الإمام الغزالي رحمه الله في عصرٍ مليْ بالاضطرابات السياسية، أصبحت فيه الخلافة الإسلامية صوريةً، وتقسمت بلاد الإسلام إلى ولاياتٍ تدين بالولاء الشكلي للخلافة، وظهر في زمنه الصراع العنيف بين الحكومة الإسلامية السلجوقية والعصابات الباطنية الرافضية، والتي ذهب ضحيتها الكثير من قيادات السنة السياسية والفكرية، كما بدأ في زمانه الاحتلال الصليبي لبعض المناطق في ساحل الشام، ومع ذلك كانت الحياة العلمية مزدهرة، وقدم لنا الغزالي فقهاً ناضجاً يلبي حاجة تلك المرحلة تلبيةً كاملةً.

2 - يندرج الفقه السياسي عند الإمام الغزالي تحت فقه المرحلة الوسطى من مراحل الفقه السياسي الإسلامي في تاريخنا العظيم وهي مرحلة الخطاب السياسي المؤول، وهي مرحلة الملك العضوض.

3 - لقد كانت آراء الغزالي السياسية آراءً واقعيةً نشأت نتيجةً لظروف البيئة التي عاش فيها، حيث الصراعات الدائرة، وما أحدثته الباطنية من فسادٍ ورعبٍ في قلوب الناس من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى فإن أهميتها وواقعيتها تعود إلى مشاركته الفعلية في الحياة السياسية معلماً وفقيهاً، وهذا بعكس أصحاب الآراء الخيالية الذين يكتبون من أبراجٍ عاليةٍ بعيداً عن دنيا الناس، والدليل على عملية وحيوية وواقعية آراء الغزالي السياسية تنازله عن بعض الشروط التي ينبغي توافرها في الإمامة نتيجةً لظروف العصر، مثل التنازل عن رتبة الاجتهاد في العلوم والكفاية بعلماء العصر، وعلى العكس من ذلك نراه شديد التمسك بشرط النسب حيث أن الخليفة العباسي قرشي النسب( )، والناظر في فكر الإمام الغزالي المرن الذي يعالج القضايا بموضوعيةٍ واقتدارٍ في ضوء ما يحتمه الواقع يقر بأن الغزالي لا بد من أن يغير بعض آرائه السياسية لو عاش في عصرنا لتغير الكثير من المعطيات واستحداث الكثير من النظم والسياسات التي لم تكن في عصره.

4 - شدد الإمام الغزالي على وجوب إقامة منصب الخلافة وساق الكثير من الأدلة العقلية والنقلية والمصلحية على ذلك.

5 - بين الغزالي أن أهم مقاصد الإمامة حماية مصالح الناس الدينية والدنيوية، واستتباب الأمن، والحفاظ على البلاد من الخراب، والقضاء بين الناس بالحق والفصل في المنازعات، وجمع كلمة الأمة والحفاظ على وحدتها، وحماية الدين ممن يروم الإساءة إليه، وحماية ديار الإسلام من تسلط أعداء الإسلام، وحماية أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم، والحفاظ على النظام العام للدولة الإسلامية، ودرء الفتن، وإعزاز علماء الإسلام وإرغام أنوف الرعاع ومثيري الفتن، والسهر على مصلحة الرعية.

6 - ذكر العلماء العديد من الشروط لمن يستحق منصب الإمامة، وقد اعتمدوا في استنباط هذه الشروط على الاجتهاد المصلحي، فقد نظر الفقهاء في مصالح الأمة وما به استقرار أمورها وانتظام أمور الإمامة، ومن هذه الشروط، صحة العقيدة والدين، البلوغ، العقل، الحرية، الذكورة، النسب القرشي، سلامة السمع والبصر، والنجدة، والكفاية، والعلم، والورع، والعدالة.

7 - تنعقد الإمامة لمن استجمع شروطها بالبيعة من الأكثرية الشعبية ويمثلها أهل الحل والعقد.

8 - الأصل في الإمام أن يكون مجتهداً في الدين فإن بايعت الأمة غير المجتهد ووجد فيها مجتهدٌ مستكمل شروط الإمامة وجب على الأمة خلع الأول وتولية الثاني، فإن كان للثاني شوكة وعسر نزعه إلا بإثارة فتنةٍ وإراقة دماءٍ لم ينزع بشرط أن يحكم بالشريعة ويقلد العلماء في الفتاوى والأحكام، وأن يكون حوله مجلس شورى من كبار العلماء وفقهائهم.

9 - البيعة الشرعية لا تنعقد لغير العدل باتفاق العلماء، فإن تولى الإمامة غير العدل وجب عزله وتولية العدل، ولكن لو أن غير العدل تسلط على المسلمين وكان صاحب شوكةٍ، ولم يستطع المسلمون عزله، وكان في عزله إراقة الكثير من الدماء، وإضاعةٌ لمصالح المسلمين، ولم يكن في المسلمين مستجمعٌ لشروط الإمامة، وكان هذا المستبد يرعى مصالح المسلمين ويقيم القضاء ويحرس بلاد المسلمين ويقوم بشكلٍ عامٍ بمقاصد الإمامة ويحكم الشريعة وجبت طاعته.

10 - لا تنعقد البيعة للظالم الجاهل ولكن يسكت عنه إن كان ذا شوكةٍ حتى يتسنى للأمة القوة لخلعه، ويجب على الأمة ألا تتوقف عن الإعداد ليتسنى لها تغيير الواقع وتولية العدل.

11 - تتمثل الموارد المالية للدولة الإسلامية زمن الغزالي بالجزية والفيْ والغنيمة وأموال المصالحة والمواريث والأموال الضائعة والأوقاف والإحياء والخراج.

12 - وللأمر بالمعروف والنهي بالمنكر مراتب ودرجاتٍ متعددةٍ، فهو يبدأ بالتعريف بالخطأ الواقع ليقوم المخطئ بتصحيحه، أو استخدام أسلوب الوعظ والتخويف من عقاب الله والترغيب في عفوه ومغفرته وهو ما يسمى بتغيير المنكر باللسان، ومن ثم ينتقل إلى التخشين بالقول إن لم يرتدع بالقول اللين، فإن كابر منع من المنكر بالقوة وهو ما يسمى بالتغيير باليد.

13 - الجائز للرعية مع السلطان الرتبتان الأوليان وهما التعريف والوعظ، وأما المنع بالقهر فليس ذلك لآحاد الرعية مع السلطان فإن ذلك يحرك الفتنة ويهيج الشر، ويكون ما يتولد منه من المحذور أكثر.

14 - تسلط الحكام والولاة الظلمة على الناس في بعض مناطق العالم الإسلامي زمن الغزالي ولم تنفع معهم وسائل الأمر والنهي، فلجأ الإمام الغزالي إلى أسلوب المقاطعة الشاملة والإضراب المدني، فحرم التعامل معهم، وتولي المناصب في دولتهم، وقبول الوكالة عنهم في البيع والشراء، وحرم استخدام المرافق العامة التي بنوها إلا في حالة الضرورة أو الحاجة الماسة، وحرم الدخول عليهم وزيارتهم إلا بقصد رفع الظلم عن المسلمين أو كان هناك مصلحةٌ عامةٌ راجحةٌ، كما حذر من قبول أعطياتهم وهداياهم، ويقصد من وراء ذلك كله إجبار الظلمة على النزول إلى مطالب الجماهير، وإلا حصرهم وتضييق الخناق عليهم حتى ينسحبوا من حياة المسلمين، ويقوم المسلمون بتولية العدول مكانهم.

15 - من الأمور البارزة التي نلمسها في الفقه السياسي عند الغزالي رحمه الله ما يلي:

- جعل الإمام الغزالي انتخاب الإمام من حق الأمة وهاجم فكرة الإمام المنصوص عليه من الشارع والإمام المعصوم، والإمام الموصى به.

- يرى الإمام الغزالي أن الإمام الحق هو من اختارته الأكثرية، فمن بايعه قادة الجند والقضاة وأهل الحل والعقد ومن ورائهم أكثرية الأمة كان الإمام الشرعي الذي تجب طاعته ويحرم الخروج عليه.

- فكرة الإضراب المدني وحصار الأمراء الظلمة الذين أخذوا أموال الناس من غير استحقاقٍ وإرغامهم على الخضوع للحق أو العزل والهجر الشعبي.

- التركيز على مبدأ الشورى وإيجابها على الحاكم.

- اعتماده لفقه الموازنات الرشيدة في مناقشاته للكثير من القضايا السياسية ومنها مسألة الخروج على الحاكم الذي اختلت فيه بعض الشروط إذا أدت محاولة خلعه إلى مفاسد تزيد على المصالح المرجوة من وراء الخلع. 

لقراءة الكتاب كاملا يمكنكم تحميله من هذا الموقع مجانا وقانونيا:

كريمكناس79 ناشرون - كتاب الفقه السياسي عند الإمام الغزالي للدكتور عمر محمد جبه جي: https://sites.google.com/view/karimeknes79-editeurs



   نشر في 25 مارس 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا