حروب تصفية الرؤوس..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حروب تصفية الرؤوس..!

التاريخ يشي بأن قتل السياسيين والسفراء والرسل كان وسيظل من أشنع الجرائم المعروفة على مر العصور، بل أن البعض سَوَّى بينه وبين إعلان حالة الحرب بين كيان وأخر..!

  نشر في 06 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .


حروب تصفية الرؤوس..!     بقلم/ محمد أحمد فؤاد

هناك تساؤل يبدو مشروع ومنطقي.. بمعايير العصر الحالي، هل تتجاسر دولة ما على تصفية سياسيين أو دبلوماسيين على أرضها مهما كانت الأسباب؟ أم تُراها تكتفي بطردهم بشكل قانوني أو استعراضي بغرض توصيل رسالة معينة..؟ سؤال مُحير، وقد تتعذر إجابته في الوقت الحالي نظراً لإرتباك المشهد السياسي سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.. التاريخ يشي بأن قتل السياسيين والسفراء والرسل كان وسيظل من أشنع الجرائم المعروفة على مر العصور، بل أن البعض سَوَّى بينه وبين إعلان حالة الحرب بين كيان وأخر.

الاغتيال في مدلوله الإصطلاحي يعني جريمة قتل متعمدة تستهدف شخصية مهمة ذات نفوذ وتأثير فكري أو سياسي أو عسكري، وعادة ما يرتكز الاغتيال في صورته الانتقامية على خلاف عقائدي أو سياسي أو اقتصادي.. وهو ليس بالضرورة تصفية جسدية لشخص أو مجموعة فقط، فهناك أنواع من الاغتيال المعنوي إصطلح عليها تقوم بها أنظمة ومؤسسات عملاقة، أو حكومات ودول وأفراد ذوي سطوة، كإغتيال الفكر، وإغتيال البراءة، وإغتيال الحريات، وإغتيال الحقوق، وكل ما على هذا النحو المجازي تعبيرياً..

وسياسياً، من الصعب وضع تعريف دقيق لعملية الاغتيال بوصفه جريمة، حيث أن بعض الجهات المنظمة له قد تعتبر أنه يندرج تحت الأعمال البطولية أو الضرورات الحتمية، أو مقتضيات لظروف معينة، هذا بصرف النظر عن الأسباب والدوافع، وبدون التوقف كثيراً أمام النتائج والتبعات الحقوقية والاجتماعية المترتبة عليه، وقد يعاني من يقوم بتنفيذ عملية الاغتيال من ضغوط متعددة تدفعه للقيام بالجريمة، فيقع مثلاً تحت طائلة عملية غسيل دماغ ممنهجة يقف وراءها محترفون، حيث يكون هو نفسه عرضة لاضطرابات نفسية تولد لديه أحقاد ذات مردود لحظي عنيف، فيتم استغلالها وتعبئتها بشكل تدريجي حتي يصل للذروة التي تدفعه للتنفيذ، ثم ينتهي الأمر إما بالنشوة أو الانهيار لحظة القيام بها.. لذا سيظل أشد وأسوأ أنواع الاغتيال هو النوع الممنهج الذي يتم بتخطيط مُسبق ويتم تنفيذه بدم بارد على شاكلة القنابل البشرية التي انتشرت خلال العقود الأخيرة في شكل إنتحاريين أو قناصة مرتزقة وقتله محترفون، والتي سرعان ما تحولت حالياً إلى أنظمة إلكترونية شديدة التعقيد تستطيع إستهداف أفراد ومنشآت وبُنى تحتية شديدة التحصين..

أقدم استخدام للمصطلح إغتيال يعود للعام 1605م.. حيث ظهر للمرة الأولى على المسرح في رواية ويليام شكسبير الشهيرة "ماكبث"، لكن هذا لا يعني بالضرورة تأريخ الاغتيالات السياسية بظهور هذا العمل، فقد شهد العالم العديد من حوادث الاغتيالات التي قامت على إثرها حروب وفتن غيرت من معالم التاريخ.. ومن أشهر حوادث اغتيال الرسل كان اغتيال الصحابي الحارس بن عمير الأزدي مبعوث النبي محمد (ص) إلى ملك بُصرى، فقد اعترضه شرحبيل بن عمرو الغساني القائم على البلقاء من قِبل قيصر الروم، وأوثقه رباطاً وقتله بضرب عنقه بعد أن علم بمضمون رسالته.. وقد نشبت على إثر تلك الحادثة معركة من أهم المعارك المصيرية بين المسلمين والرومان وهي معركة مؤتة التي غيرت موازين القوى الاستراتيجية بمعايير هذا الوقت، على الرغم من إنها انتهت بإنسحاب وفض اشتباك تكتيكي بارع من خالد بن الوليد، وليس بهزيمة أو نصر..!

توالت فترات الصراعات السياسية بين القرنين السابع والسابع عشر الميلادي، حيث تبلورت نوعاً التركيبة الاستعمارية حينها وبدأت معها عمليات تقسيم مناطق النفوذ.. وعَرِفَت المنطقة الواقعة بين أسيا الصغرى وأوروبا منافسات وصراعات كان أبطالها هم العباسيون والأيوبيون والسلاجقة والصليبيون، حتى إنها باتت لا تخلو لسنة واحدة من صراع دموي قائم على أحد تخوم تلك الممالك.. ومن الشخصيات الشهيرة التي ارتبط اسمها تاريخياً بمسألة الاغتيالات كان حسن بن صباح، أو حسن بن علي بن محمد الصباح الحميري 1037 : 1124م، الملقب بالسيد/ أو شيخ الجبل.. ولد ومات في بلاد فارس، وقد قام بتأسيس ما يعرف بالدعوة الجديدة أو الطائفة الإسماعيلية النزارية المشرقية.. وفي الرواية الأوروبية إصطلح على تسمية طائفته الحشاشون أو الباطنية.. كان حسن بن صباح معارضاً وعدواً شرساً للأتراك السلاجقة ودخل معهم في حروب عصابات طويلة الأمد، وارتكب العديد من عمليات الاغتيال بحقهم، وكان قد اتخذ من مكان جبلي وعر يبعد 100 كم عن طهران يُدعى "قلعة الموت" مخبأ وملاذ آمن له ولرجاله.. وكان من أوائل العقول المدبرة للإغتيالات المنظمة ضد ملوك وقادة جيوش ورجال دين، واستمرت عملياته ومن بعده رجاله حتى احتل المغول بقيادة هولاكو قلعة الموت عام 1256م، وقُضي عليهم بتصفية ركن الدين خورشان أخر قياديين سبعة حكموا بعده..

استدعتني عملية تصفية السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة ديسمبر 2016 لتذكرها حينما تابعت هذا الهجوم الأخير بالمسيرات الذي إستهدف الكرملين الروسي حسب رواية موسكو بالرغم من تأكيد كافة الجبهات المعادية على عدم ضلوعها في هذا الحادث.. إزداد لدي هاجس قوي تجاه مغزى الجريمة إن صح التعبير.. ولا أدري إن كان يجوز الربط بين الحادثتين من حيث المكان والزمان والسياق، وبين علاقات أقطاب الاستعمار التي تتجه حالياً وبشكل مخيف نحو مساحة يكتنفها الغموض في زمن تسمو فيه وتيرة المؤامرة والغدر، وتتسيده مصالح وتوازنات القوى العسكرية الإستعمارية، وأيضاً تصعب معه التكهنات بما سيكون..؟

الجريمتان بشعتان، منفذ الأولى رجل أمن محترف يبدو أنه كان يعي تماماً ما فعل وقال حينها، وللعجب قد تمت تصفيته مباشرة في مكان الحادث فمات معه السر..! ولشديد الدهشة (وربما ليس المصادفة) فقد تم بث وقائع الجريمة تليفزيونياً وكأنها مقطع وثائقي ليشهدها الملايين في جميع أنحاء العالم، وكأن الأمر هو رسالة إنذار موجهة عن عمد.. أما الثانية التي مازال يكتنفها الغموض، فقد تم تنفيذها عن بعد وبسلاح متطور من نوع المسيرات الغادرة، وقد تم تسجيل مقطع لعملية اعتراضها بشكل مثير دون ظهور ماهية السلاح المضاد المستخدم، والمرجح أنه اعتمد على تقنية توجيه أنواع دفاعية من الأشعات...

إغتيال السياسيين أو المعارضين، وخصوصاً السفراء عادة تكررت كثيراً خلال العقود الخمس الأخيرة، خصوصاً مع بداية الحرب الباردة ونهاية المواجهات العسكرية الدامية بين قوى الاستعمار.. ففي مقابل أندريه كارلوف السفير الروسي خسرت الولايات المتحدة وحدها ستة سفراء في حوادث اغتيالات متعددة.. جون جوردان ماين جواتيمالا 1968، وكليو نويل السودان 1973، ورودجر دافيز قبرص 1974، وفرانسيس ميلوي لبنان 1976، وأدولف دابس أفغانستان 1979، وأخيراً كريستوفر ستيفنز ليبيا 2012..!

يبدو أن حروب فرض النفوذ بين القوى الإستعمارية الكبرى في حالة إستعار غير معلن لكنه واضح للعيان، وهذا يتجلى بوضوح في شكل الصراعات الدموية التي تخوضها بالوكالة كيانات أقل حصافة من الكبار، والتي يتم إشعالها الواحدة تلو الأخرى في مناطق النفوذ من أقصى حدود المعمورة إلى أقصاها.. فمن بحر الصين إلى الحدود الهند-أوروبية، إلى الشرق الأوسط الجديد ونطاق البحر المتوسط، ومن الحدود الأوراسية "الأسيوية-الأوروبية" إلى العمق الإفريقي والمحيط الهندي في المنطقة المواجهة لمدخل البحر الأحمر واليمن والساحل الإفريقي الشرقي ومنطقة الخليج العربي.. حتى القطب الشمالي وأنتاراكتيكا لم يسلما من إمتداد التنافس على المصالح هناك بين روسيا والصين والولايات المتحدة أكبر الكيانات الإستعمارية الحالية على الكوكب، ولكن حتى الأن دون مواجهات مباشرة..!

الخط السياسي لتحالفات العم سام مؤخراً لا شك وأنه تبدل كثيراً بتغير مواقف الحلفاء، والأمر نفسه يحدث مع الدب الروسي الذي أثبت انه خصم عنيد وصعب المراس حتى في أشد الظروف صعوبة.. والتنين الصيني الذي يتقدم بخطى ثابتة نحو ترسيخ وجوده في مناطق التنافس سياسياً وإقتصادياً.. وأخيرا أوروبا القارة العجوز المنهكة، لكنها لمزيد من الدهشة، مازالت تحتفظ بدورها بين الكبار، وإن إنحسر تأثيرها السياسي بشكل واضح مؤخراً داخل ساحات الصراع الحالية..! لا أظن أن الشروخ التي طالت أرضية السياسة الدولية تشي بأي مستقبل آمن في ظل حالة الغليان الحالية.. وحين تظهر على الساحة ملامح إستخدام القوة لتصفية الخصوم، فالأمر جد خطير وأظنه يسترعي الإنتباه..!



  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 06 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا