مجحفون !!
إن هؤلاء يا صديقي لا يملكون من الرحمة لنا ما نملك نحن لهم، ولا يملكون من الشرف ما نملك نحن لهم.
نشر في 16 نونبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
صديقي رجل مرهف الحس، ذكي، ذو أنفة وكبرياء.
وهو رجل يَغلبه التجهّم إذا نثر إنسان بين يديه الكلام نثرًا.
فتراه يحبس أنفاسه، ويعدُّ ثوانيه ودقائقه يستمع له، حتى ينتهي، وإذا انتهى من هذيانه أجهز عليه بلا رحمة وبلا خوف، فيأكله أكلًا، ويفحمه إفحامًا عجيبًا.
حدث مرة أني كنت جالسًا معه في جماعة من الناس، وكان بين القوم رجل أخذ سهم لسانه يطيش، فهو يرمي هذا، ويلمز ذاك..
فثار عليه صاحبي وأثخن له في القول حتى أفحمه، وأطار عصافير رأسه، فلو رأيت وجوه الجالسين، ما بين ضاحك ومتعجب وساخر.
فلما انتهى مجلسنا ذاك، سرت معه، وقلت له: إنك لو أعرضت عن الرجل، لكان في ذلك خيرًا.
فقال: وما أصنع بقلبي وهو يغلي غليان القدر!، فالكلمة منه تصيبني كأنما تقتلني، وأنت تعلم أني عاصفة هوجاء إذا ثارت فلا شيء يقف دونها.
ثم قال لي بحزن بالغ لم أعهده عنه:
إن نفسي يا صديقي تكاد تنفطر، وروحي تكاد تختنق، فلا شفاء لي ولروحي إلا بالرد على المجحفين، فنفسي هي نفسي التي أعرف، تفيض إذا امتلأت.
إن الواحد من هؤلاء الحمقى ينثر كنانته ويقبض بيده على أي سهم شاء منها، ثم يرمي بأسهمه الناس على غير مبالاة، وعلى غير مراعاة.
إن هؤلاء يا صديقي لا يملكون من الرحمة لنا ما نملك نحن لهم، ولا يملكون من الشرف ما نملك نحن لهم.
إن هؤلاء لا يطيب لهم العيش إلا على أقذار الناس، وعلى علل الناس.
فعلى أي شيء تريدني أن أصانعهم؟!
ثم نفض يده وأخذ يتمثل بقول الشنفرى:
وَلَكِنَّ نَفساً مُرَّةً لا تُقيمُ بي
عَلى الذَأمِ إِلّا رَيثما أَتَحَوَّلُ
التعليقات
لازالت الدنيا بخير....