الظلم اذا انتشر في المجتمع فهذ مبشر بسوء المنقلب والأشد من الظلم هو ظهور من يؤيد هذا الظلم ويطبل له فقط ارضاء للظالمين ولن يرضوا، و يا ليتهم التزموا الصمت وذلك أضعف الإيمان ولكن البعض أصبح ممن يقال فيهم في كل واد يهيمون فتراهم مع التيار ينجرفون مؤيدون ومعارضون، وتراهم نسوا السنن الإلهية في عاقبة الظالمين ومؤيدوهم فالظلم مهما طال أمده وأسودت لياليه وأشتد فساده وانتشر في ربوع الأرض حتى يتضرع المظلمون لبارئهم يناجون بقلوب تملأها الأحزان مما يلاقوه ويدعون ببزوغ فجر العدل وانقشاع ليل الظلم، فإن الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، عندها يجد (المطبلين) أنفسهم وحيدون ومنبوذون من قبل الجميع وذلك بما اقترفت أيديهم من دعم وتأييد للظالمين وجزاء ما خطت أيديهم وسطرت أقلامهم من (تلميع) لسيرة الظالمين الفاسدين، عندها تنقشع عنهم الغشاوة ولكن بعد فوات الأوان فيجدوا أنفسهم يأخذوا بما فعل الظالمون.

فالمحكمة الإلهية لا بد أن تنصف المظلوم والمسلوب والحكم العدل لابد وان يهلك الظالمين ويمحق المعتدين ويقطع دابر المفسدين، سواء كان الظالم فرداً أو جماعة، موظف عادي أو مسؤول كبير تعالا وتكبر وظن أن لن يحور، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : "الغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أمهل فإن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته "، وقد قال بعض أكابر التابعين لرجل : "يا مفلس فابتلي القائل بالدين والحبس بعد أربعين سنة "، وضرب رجل أباه وسحبه إلى مكان ما فقال الذي رآه بعد ذلك: إلى هاهنا رأيت هذا المضروب قد ضرب أباه وسحبه إليه، فسبحان من هو قائم على كل نفس بما كسبت، وسبحان من هو بالمرصاد، وسبحان الحكم العدل الذي لا يجور، وسبحان من بيده موازين ومقاليد الأمور، يفعل ما يشاء ويحصي على العباد مثاقيل الذر، وكما تدين تدان.

يظن البعض ممن أوتي المناصب الرفيعة بتوفيق من الله إنما أوتي منصبه لإستحقاق وعندها يدخل الكبر إلى قلبه فيبدأ بالاستبداد وظلم العباد حتى يصير الظلم له عادة لا يقوى على فراقها فيغدو متلذذا بظلم الضعفاء وتقريب الجهلاء وإبعاد العقلاء، فيستحق بذلك طمس الإيمان في قلبه فيجور ويتمادى حتى يأتي أمر الله يوم لا ينفع نفس إلا ما قدمت من خير فيهلك ويهلك تابعيه ومعوانيه من الجهلاء الذين أعمت السلطة ضمائرهم.

فجانب الظلم لا تسلك مسالكه عواقب الظلم تخشى وهي تنتظر

وكل نفس ستجزى بالذي عمـلت ولـــيس للــــخـلـق مــن ديانـهم وطر

ومن الظلمة الذين مروا في التاريخ قارون الذي بغى على قومه لما آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولي القوة، كما بغى عليهم بجبروت الخبرة كما ظن والذكاء والعلم الذي عنده فماذا كانت النتيجة؟ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ( القصص 81 ).

وأبرهة صاحب الفيل الذي بنى كنيسة بصنعاء ليصرف الناس للحج إليها ويجعل العرب يأتونها بدلاً من الكعبة ماذا كانت عاقبته؟ صرف الله عنها الناس وهيأ من يوقد فيها حريقاً ويلطخها بالنجاسة، فأراد أن يأتي البيت ويهدمه حجراً حجراً، فماذا فعل الله به ؟ أرسل طيراً أبابيل جماعات جماعات تحمل الحجارة وترمي أبرهة وجنوده بها، حتى رجع صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فمات هناك وقد هلك أكثر جيشه وانتهى.

﴿ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ*أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ*وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ*تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ*فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾

دعوة المظلوم سهم على الظالم لا ترد ولا تخطيء، فيا بؤس وشقاء الظالم المخذول ينام ملء عينيه والمظلوم يدعو عليه، يجأر إلى الله أن ينتقم منه، وأن يشتت شمله، زيفرق جمعه، ويعجل عقابه، وينزل به بأسه، ويحل عليه سخطه، ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين).

كان يزيد بن حكيم يقول: ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي: حسبي الله، الله بيني وبينك.

اتهزا بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صـــنع الدعـــــاء

سهام الليل لاتخــطيء ولكن لها امد وللأمد انقضاء

فدعوة المظلوم سلاحٌ على الظالمِ لا يُبقِي وإن طالَ الدهرُ، قال - صلى الله عليه وسلم - لمُعاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه - حين بعثَه إلى اليمن: ".. واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ"؛ متفق عليه وعن وهب بن منبه قال: بني جبار من الجبابرة قصرا وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت الي جانبه كوخا تأوي اليه فركب الجبار يوما وطاف حول القصر فراي الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوما فقالت من هدمه فقيل : الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء وقالت : يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت ؟قال : فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه فقلبه.

وصدقَ القائلُ حينما قال:

لا تظلِمنَّ إذا ما كــنتَ مُقتدرًا فالظلــمُ تـرجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ

تنــــامُ عيناك والمــــظلومُ مُنتبِهٌ يدعُو عليكَ وعينُ الله لم تنَمِ

وفي الختام نسأل الله أن يطهر البلاد ويخلص العباد من الجور والفساد وأن يوفق الصالحين ويهدي الضالين، ونسأل الله أن يحفظنا من ظلم الظالمين وجور الجائرين وجهل الجاهلين وحسد الحاسدين وحقد الحاقدين، ونسأل الله أن ينصرنا على من ظلمنا وعادانا وأن يوفقنا لما فيه صلاحنا واصلاحنا.

يالله يا أحد يالله يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين وانصرنا على اعدائنا انك انت الله القوي المليك المنتصر.

(حسبنا الله ونعم الوكيل هو نعم المولى ونعم النصير)