لم يكن تمزق الامة العربية وليد اليوم ، فقد عانت هذه الامة التمزق منذ ما يقارب الالف عام ، فما حل بدولة بنى العباس فى اواخر عصرها من تمزق وظهور دويلات من الاندلس غربا الى الصين شرقا كان نواة التمزق العربى للامة التى لم تتحد خلال تاريخها سوى حقبة وجود الرسول ( عليه الصلاة والسلام ) ثم الحقبة الراشدة التى بدات بابى بكر الصديثق سنة 11هجرية وانتهى سنة 40 هجرية ...

سادت تلك الفترة الزمنية عصرا اتحاديا تكافليا مزدهرا .. فما ان حلت خلافة الوراثة فى بنى امية الا وسادت حروب طاحنة بين العرب فيما بينهم من جراء مقتل الامام على بن ابى طالب (كرم الله وجهه) ..الا ان التوسع العربى فى قارات العالم باستثناء اوربا ساهم فى وحدة عربية قوية لم تستطع القوى المقابة للعرب من اثنائهم عن وحدتهم وعقيدتهم

ثم ارتفعت رايات سوداء قدمت من خراسان تنادى بالحكم لبنى العباس القرشى ... ولم تستطع القوة الاموية من الوقوف طويلا امام القوة الناشئة بخراسان ليترك بنى امية الحكم لبنى العباس مرغمين ... وتوجهوا صوب الاندلس (اسبانيا اليوم) ليقيموا خلافة جديدة ..

فكانت بداية التمزق العربى بوجود خلافتان احداهما بالشرق العربى والاخرى فى الغرب الاندلسى....

السوس يبحث دائما عن موطن للحياة به .. وفى بيئة العرب تكثر مقومات الحياة للسوس ليعيش ويتكاثر ويزاول متعته فى النخر ..

سادت فى الفترة التاريخية التى سبقت نهاية الخلافة العباسية الوراثية انهيار اقتصادى .. تزامن مع انشغال الخلفاء العباسيين بالقصور والابهة والغناء والجوارى ... مع تعدد الاجناس والمذاهب الفكرية واحتدام الصراع فيما بينها ... اضافة الى ظهور قوة اقليمية مضادة لم يعهدها العرب من قبل تمثل فى ظهور التتار بزعامة جنكيز خان ورغبته الشرهة فى التوسع والتمدد فى بقاع الارض رغبة فى حكم العالم

بقدر ما حافظ الامويين على الدولة العربية الاسلامية قوية موحدة وتوسعت رقعتها فى شتى الاقارات .. ولا ينكر منصف ان العصر العباسى الاول الذى تلى الامويين كان مزدهرا متوسعا محافظا على قوة الدولة العربية المترامية الاطراف...

بداية الانحدار العربى جاء فى العصر الثانى لخلفاء بنى العباس حين سادت حياة الترف وتدخل زوجات الحكام والامراء بشئون الدولة تدخلا ادى الى نشوب صراعات داخل البيت العباسى كانت مقدمة لظهور طبقة متحكمة من الوزراء من ذوى الاصول اللاعربية املين فى سيادة لبنى جنسهم على الجنس العربى .. وتلك بداية العنصرية والطبقية بعد ان كان الرسول ( عليه الصلاة والسلام ) قد قضى عليها ...

تكالب قوة التتار من ناحية والقوة الداخلية متمثلة فى الوزراء الذين بدأ الصراع يحتدم فيما بينهم من اجل السيطرة على الحكم ...صاحب ذلك ضعف الخليفة القابع فى قصر الخلافة العباسية ببغداد .. اضافة الى الاستقلالية التى واكبت الضعف العباسى واستقلال اقطار مصر ودمشق والمغرب العربى والاندلس عن الخلافة العباسية مع الابقاء على التبعية النفسية واللفظية بذكر اسم الخليفة فى يوم الجمعة عقب الخطبة ليكون هذا دليللا على التبعية دون السيادة التامة للخليفة على تلك الامصار .. فظهور دويلات متعددة فى امصار عربية ساهم بشكل صارم فى نهاية الحكم العباسى لرقعة مترامية الاطراف من العالم ...

اجهز العباسيون على انفسهم قبل ان يجهز عليهم هولاكو حفيد جنكيز خان جامع التتار وموحدهم ...فهذا الكم من الترف والعربدة التى مارسها خلفاء الحقبة الاخيرة من عمر الحكم العباسى ، وابنائهم وزوجاتهم بل وتدخل الجوارى فى شئون الحكم ...ادى الى الانهيار السريع امام القوة التترية والقضاء على حكم بنى العباس

بدات خلافة بنى العباس بالدم والقتل لبنى عمومتهم بنى امية لتنتهى خلافتهم بالدم والقتل على ايدى غرباء الملة والجنس من التتار !

اعتقد ان نهاية بنى امية كانت نتيجة حتمية لما فعلوه منذ اللحظة الاولى التى تشبث فيها معاوية بن ابى سفيان بالحكم ثم ما تلى ذلك من محاربة ابنائه لاحفاد الرسول ومن حوله ....

اما نهاية بنى العباس فقد تشابهت الى حد ما وان اتت على ايدى الغرباء

دورة التاريخ لا بد منها رغم انف الجميع...

1285 ميلادية كانت نهاية الخلافة الوراثية لبنى العباس عندما احرق هولاكو بغداد وقضى على الاخضر واليابس بها وحول نهر الفرات الى الدم بديلا عن الماء بالقتلى الذين القاهم به...

ظلت فى الامصار الشامية والمصرية والمغربية حكومات ..يسود فيما بينهم الصراع الداخلى والخارجى فلا استقرار ولا تجمع عربى موحد فالكل طامع فى الاخر ...

ادى ذلك الى ضعف واضح للقوة العربية ...مما فتح شهية هولاكو التترى كى يسير فى غيه من اجل تحقيق رغبة جدة جنكيز خان فى السيطرة التترية على العالم فتقدم نحو دمشق ولم يجد صعوبة فى الوصول فلا قوة عربية تقف فى وجهه...

لم يتبقى له فى طريقة سوى مصر فان احكم سيطرته عليها فقد سيطر على العالم العربى ... خاصة وانها فى حالة تفكك وخلافات بين المماليك الذين خلفوا الصالح نجم الدين الايوبى حكام مصر .. ونشوب صراع فيما بينهم للجلوس على كرسى الحكم بمصر....

غير ان الكثير من المصريين احسوا ا الخطر القادم اليهم سيكون وباء قاضيا عليهم ان لم يتحدوا قبل فوات الاوان...

قيض الله لمصر ان يظهر فى الكادر المملوكى سيف الدين قطز احد مماليك السلطان نجم الدين ايوب ليكون الحاكم لمصر ...

لقطز ثار قديم منذ ان كان طفلا فى العاشرة من عمرة مع التتار ...فما ان سنحت له الفرصة الا وشد العزم على الثار لاهله من بنى خوارزم والتصدى لقوة التتار وحماية مصر من شرورهم...

وقف المصريون صفا منيعا ضد الزحف التترى ولم يتوانى ايا منهم فى دعم السلطان قطز فى الاعداد لحربة

استطاعت الجيوش المصرية ومن شاركها من الممالك العربية المنتشرة بالبقعة العرب من القضاء نهائيا على هذه القوة التترية ...

بانتهاء الاسطورة التترية واستتباب الامر لقطز .. لم تعد الوحدة العربية ممكنة فالخلافات بدات منذ زمن ولن يستطيع احد انهائها وجمع الشمل العربى موحدا كما كان قبل الانهيار العباسى فى النصف الثانى من الخلافة الوراثية لبنى العباس...

تعمقت الخلافات بين الممالك العربية العربية ... وتداخلت اطراف خارجية لتزيد النار اشتعالا ... خصوصا وان اوربا كانت قد بدات تتنبه للشرق العربى بعد الحروب الصليبية التى خاضتها باسم بيت المقدس وتحريرة من ايدى المسلمين واخفت انها حروب توسعية من اجل الثروات العربية بالعالم العربى والعمل على تفتيت وحدته التى كانت اوربا تخشاهها اشد خشية من الموت ...!!

حققت القوة المصرية انذاك حفاظا ملحوظا على العالم العربى وان لم تستطع اعادة اللحمة العربية كاملة لوجود جيوب ونزعات طائفية تغلغلت فى الجسد العربى ... ولكن يحسب لمصر انها حافظت لسنوات ما قبل الوصول العثمانى الى العالم العربى على رقعة كبيرة موحدة تحت حكم المصريين ...