سخرية الوقت
لماذا تمر لحظات الفرح علينا سريعةً كالبرق بينما لحظات الحزن تؤدى لها كل فروض التروي و التأني ؟
نشر في 25 فبراير 2018 .
يولد الإنسان في هذه الحياة و هو تحت رحمة الوقت و شفقة المشاعر لأنها الوحيدة الكفيلة و القادرة على جعل حياته نعيماً و رخاءً أو تحويلها إلى جحيمٍ و لظى ، فالوقت تارةً يمضي بخطواتٍ سريعةٍ و عجولة و تارةً أخرى بوثباتٍ بطيئةٍ و متمهلة حسب الظروف التي نمر بها و نعانينها و نكابدها على سطح هذه البسيطة و للعقل الكلمةُ الفصلُ لترويضهما و إخضاعهما لسلطته المطلقة .
عندما يغمرنا الحزن و يخيم السواد على مساءاتنا فتضمحل كل التفاصيل و في الصباح عندما تتحول زقزقة العصافير إلى نشيجٍ يصم آذاننا سنشعر حينها بأن الثواني متثاقلة الخطى ، و أن الدقيقة أصيبت بالخرف فظنت نفسها سنةً ضوئية ، و أن الساعات تعيش حرباً كونيةً ناشرةً الفوضى و معلنةً ثورةً بروليتارية يخوضها عقرب الدقائق على عقرب الساعات الذي لطالما كان مسيطراً على زمام الأمور فأصابه في مقتل لتتوقف عندئذ كل عقارب الساعة حزناً و حداداً على هذه المأساة العظيمة و المصاب الجلل عند الساعة حزناً إلا موت .
أما إذا ما غمرتنا الفرحة و هطلت علينا زخات السرور فستنبت في أرواحنا حقولاً من الغبطة و فداديناً شاسعة من السعادة اللا منتهية و النشوة المطهمة التي تجعل منا كتلةً من الراحة و اتحاداً لكل مفردات الفرح المنثورة في العالم أو لوحةً من الموزاييك الذي يعطي شكلها النهائي نسخة ً من زهرة الخلود المذكورة في ملحمة گلگامش الخالدة ، و لكن سرعان ما تتلاشى هذه الصورة و ينتهي مفعولها لأن للوقت كلمته و قراره النافذ ، فنرجع بعدها إلى ذلك الوجه "البوكري" الخالي من كل أنواع المشاعر و الإيماءات أو نرتدي أقنعة ًنتخذها واجهةً حسب الطلب متلهفين لفصلٍ قادم يحمل بين طياته فرحةً أو بعضاً من أطلالها .
يبقى السؤال الذي يجب أن نسبر أغواره و نبحث عن إجابةٍ شافيةٍ له ، لماذا تمر لحظات الفرح علينا سريعةً كالبرق بينما لحظات الحزن تؤدى لها كل فروض التروي و التأني ؟ أليست كلها مشاعرٌ تنبعُ من مصدرٍ واحد أم هما خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً ؟
-
إبراهيم بن حاتمإماراتي الأصل رافديني الهوى عاشق على ذمة بغداد