وقف المجهري على مسمع الزمان والمكان وعلى أمواج الأرض قاطبة فارضا امتلاءاته ومهددا البشرية كلها بالفناء إن لم تنظم للقطيع ، الحاكم الجديد يتوعد ويجسد ويضرب ثم يختفي مخلفا الدمار والجروح والدموع وداعيا بالمناسبة للقراءة بين السطور، وإيجاد الآليات لتحويل المحن إلى منح و تفعيل الاستجابة لنداءات العودة لرب العباد والفرار إليه.

المجهري ساوى أخيرا بين الحاكم والمحكوم والغني والفقير، فالكل يبحث عن العلاج برفقه أهله بموطئ الرأس، فلا احد يتداوى في المستشفيات الفرنسية أو الأمريكية أوالسويسرية. المجهري جعل المكسيك تقفل الجدار العازل من جهتها رافضة بذلك قدوم المهاجرين الأمريكان، والذين لطالما سخروا من أهل المكسيك واستصغروهم ، يحدث هذا في وقت غيرت مراكب الهجرة السرية الإفريقية وجهتها بين الرافدين، وصولا للوفد الايطالي الذي آثر البقاء في الصومال على العودة لموطن البيتزا والبندقية، إضافة أيضا لصوت الأذان الذي دوى بعواصم دول أوروبية والتي كانت إلى وقت قريب تمنع الجهر به في زمن أغلقت فيه المساجد و علقت فيه صلاة الجماعة.

هي في الحقيقة غيظ من فيض ملايين الصور التي جاهر بها المجهري الذي طاف اغلب دول المعمورة، فطرق أبواب ملوكها مرورا بقادتها وصولا لبؤسائها، مميطا اللثام عن التلاحم المزعوم بين دول الغرب وكاشفا الغطاء عن الأنظمة الصحية النموذجية، التي جعلت الأطباء يحتجون على غياب الوسائل حتى الكمامات والقفازات منها، فكشف حقيقة الصراع بين الساسة و فند مزاعم الإنسانية الجوفاء التي يتغنون بها لدرجة طلب احد الأطباء تجريب اللقاح على الأفارقة فلا علاج لهم ولا كمامات، في مشهد أرسل للسطح كل ما يضمره الغرب واظهر فراغ رصيدهم من الأخلاق، وأكد للجميع نقل الخوف لمعسكره وموقعه من ارض الفقراء لقصور الأغنياء، الذين ضجت الدنيا بعويلهم على قدرتهم على احتلال المريخ واستنساخ البشر باستثمارهم في بلوغ قمة الذكاء البشري، لتستخلص البشرية في النهاية أن لا شيء يساوي شيئا مع القدرة الإلهية، فسجدت أمريكا واسبانيا وفرنسا وجثمت ايطاليا داعية تدخل السماء.

إن المجهري جسّد للعالم الحقيقية المرّة عن بعض البشر الذين لا يتوانون أبدا في طرح المرض والتشهير للعلاج، بنيه سلب مالك و سعادتك، و تجد نفسك مرغما على تصديق أكذوبة الزمان ومسايرتها على أمل النجاة و فقط، تماما كما غلبت الأنانية وإحساس احتقار الغير القيادة الأمريكية لما سعت لجلب اللقاح وتلقيح الأمريكان وفقط، ثم بيعه لنا وبشروطهم.

المجهري كشف حجم احتقار الأنظمة العربية للكفاءات المحلية بسبب الولاء الأبدي لأصحاب ربطات العنق، ففي عز الوباء تحرر المخترعون العرب وانكشفت الكفاءات واطل علينا الوعي و حس المسؤولية بحجم الأزمة، و في المقابل سجلت نيويورك وحدها وعلى غرار عديد المدن آلاف حالات السرقة والنهب، مميطة اللثام مرة أخرى عن صورة الإنسان الغربي الذي لم نتحرر من غرامه بعد، و الذي رفعناه بجهلنا لدرجه المعصوم المبجّل، ذاك الذي لا يتوان أبدا في تفعيل غريزته الحيوانية لحظه شعوره بالجوع . الفيروس نجح في ما فشل فيه حتى صناع الفتن و الأزمات، فأوقف الحرب في اليمن وسوريا وتدخّل لتخفيض الضرائب على المؤسسات و رقمنة طرائق العمل، فتنفست الأرض وتحركت فرحا وبدأت تظهر آثار تعافي طبقه الأوزون وتقلص حجم التلوث بأنواعه.

الكائن المجهري وبرغم اختفائه وتواريه عن الأنظار تمكّن من حصد كل الألقاب بفضل الصور التي رسمها للبشرية، مذكرا الجميع أن الذي لا تدركه الأبصار قادر على إحالة البشرية كلها على عالم الفناء والانقراض و بأبسط الجنود ....حتى المجهري منها.

محمد بن سنوسي

22-04-2020