قد يصاب الناس أفراداً أو جماعات ببعض الأمراض الجسدية المزمنة، التي تنغص معيشتهم وحياتهم،كامراض السرطان أو القلب .....الخ، وفي نفس الوقت قد يصاب إحدى الأشخاص لأقدر الله بمرض معدي، مما يحول ذلك المرض بينه وبين غيره من الناس، بل بينه وبين اسرته. لكن وفي أغلب الحالات قد نتمكن من التغلب على تلك الأمراض من خلال اتباع الأرشادات الطبية التي ينصحنا بها الأطباء، وتناول بعض العقاقير الطبية، وإذا استدى الأمر فيمكن إجراء بعض العمليات الجراحية للتغلب على المرض، ويمكن عزل المصاب بالمرض المعدي إذا تتطلب الأمر ذلك مع خضوعه لإشراف الطبيب للتغلب على المرض و الحد من آثاره المجتمعية. وقد ينتهي المرض الجسدي إما بعلاجه أو بموت صاحبه.
لكن عندما يصاب الناس سواء بشكل فردي أو جماعي بمرض فكري، بمعنى اعتناقهم لفكر خاطئ ، أو أن يحملون في عقولهم فكراً هداماً ، أو أفكاراً أسُئ فهمها، تلقي بتبعاتها على حاملها..بل على المجتمع بأكمله، كون جرثومةالفكر كالفيروسات المعدية التي يصعب القضاء عليها. وهنا تكمن المشكلة، نظراً لصعوبة الفصل بين المرض والمريض فكرياً، كون مرضى الأفكار نشأوا وترعرعوا في بيئة حاضنة لذلك الفكر الذي يحملونه،بل انهم يعتقدون أن فكرهم هو الفكر الصح والمنهج القويم للحياة،وبأنهم في الطريق السليم... وغيرهم في الطريق المعوج ... وخطأ يجب ازالته.
وهنا قد يخطئ المجتمع خطأ فادح بل مأساوي في التعامل مع من يحملون جراثيم الفكر، حين يحاولون نبذهم وصدهم ويحملون الكره لهم ...بل يحاصرونهم في كل الاتجاهات لاعتقادهم بأنهم بتلك الطريقة يمكن القضاء على الفكر الهدام ومحاصرته حتى لا ينتشر ويعم المجتمع. وهذه هي الكارثة لاننا بهذه الطريقة نساهم في اتساع رقعة ذلك الفكر الفوضوي، حيث نحكم عليهم بالموت والإبادة ، مما يساعد ذلك في تمسكهم بفكرهم ويزيد معتنقية ومناصريه.
لذا، يجب علينا أن نفكر كيف نعافيهم ونخلصهم من مرضهم .فالمريض فكرياً كالمريض جسدياً اذا جاز التعبير - مع الفرق الشاسع بينهم- يمكن لنا الفصل بين من يحملون جراثيم الفكر وبين مصابهم ( بين المرض والمريض) من خلال التقرب منهم ومصاحبتهم والحوار معهم ، وتقبل أفكارهم حتى لا نخلق سدا أو حاجزاً منيعنا بيننا وبينهم ،لكي نستطيع التأثر عليهم من خلال التقرب منهم. وبهذه الطريقة يمكن تخليصهم من الجراثيم الفكرية التي يحملونها، لا بالكراهية والحقد والمواجهة وباعلان الحرب ضدهم. وخصوصاً في مجتمعنا العربي اليوم الذي يعج بالجراثيم الفكرية والفوضوية، والتي يجب علينا أن نتعامل معها بحكمة وتريث حتى نخلص مجتمعنا من تلك الأمراض المزمنة، لأ أن نزيد من معانات مرضانا، فالذين لا يثقون من إمكانية تغيير النفوس والأفكار، لا يمكن أن يبذلوا أي جهد في بناء أوطانهم وخدمة مجتمعاتهم .