أخبرني صديق لي بأنه كان قادمًا على مبارزة شخص يٌعرف عنه بالقوة وأن هذا الشخص ما بارز أحدًا قبل ذلك إلا وفاز عليه، فكان صديقي منتظر دوره خائفًا وجلا يترقب في رعب مما سيفعل به بعد هذه المبارزة من استهزاء وسخرية معتقدًا أنه خاسر لا محالة، ثم جاء دوره وكانت النتيجة غير متوقعة فقد فاز فوزًا مستحقًا على هذا النمر الورقي غير مصدق قدرته الكبيرة التي لم يعلمها عن نفسه، والشاهد في هذه الواقعة هو أنك تبني وهمًا بداخلك لشيء ما تخشاه ويكبر الوهم بداخلك لتكتشف في النهاية أن ما تخشاه أهون مما كنت تتوقع فكان الوهم نتيجة طبيعية للخوف

الوهم أخو الجهل كلاهما حكم بدون معرفة أو علم، الوهم يُصغر الكبيرة ويُعظم الصغيرة ومن ثم الحكم الخطأ على الواقع فتكون العواقب وخيمة، فقد يكون هناك تدين وهمي مغشوش من قبل شخص أو فتاه فتكون نتائجه عكسية عليهم وعلى المجتمع، فالتدين المغشوش أصبح منتشر بطريقة غريبة وفي الحقيقة المدعي ذلك هو من يضحك على نفسه أولاً ويعيش الدور المزيف فيكون هو أكبر الخاسرين كمن ينصب نفسه من أولياء الله وضمن لنفسه الجنة وينظر في ذنوب الناس كأنه رب

الوهم هو أن تعيش حالة من الكذب على نفسك، وتصدق نفسك ويقتنع الآخرون بأنك فعلاً كما تقول وأنت وحدك من يعلم كذبك، أن تصدق أنك خارق وأن أمثالك قليلون في الحياة، وأن البشرية ستفقدك عندما يتخلوا عنك، أن تعيشين في غرور بأن كل من يتقدمون لخطبتك لا يستحقون جمالك وجاذبيتك، الوهم هو أنك تعتقد أن بنات الكون لم توجد بينهن من تستحقك وتعيش في خيالك المريض بأنك الوسيم الجذاب الذي يمتلك الصفات الحسنة التي لا توجد هذه الأيام وأن مثلك لابد له من جوهرة لا توجد على هذه الأرض القبيحة

أن تنام طول النهار والليل ظنً أن الله سيرزقك، وأن تتوهم أنك عندما تُفصل من عملك بأنك تموت جوعًا أنت وأبناءك كمن قال الناس من خوف الفقر في فقر ومن خوف الذل في ذل، أن تعيش مخدوع ومذلول ليس لشيء إلا أنك تحمل في داخلك أفكار مريضة بُنيت على أساس خطأ فكانت النتيجة التعب المستمر طوال حياتك

أن تنخدع بصاحبة صفحة على مواقع التواصل أو تنخدعين بصفحة شخص آخر متخيلًا أن الصورة والمنشور يخبئ خلفه شخصية متدينة فتظن أنه الفتى المنتظر وأنه فريد عصره وزمانه، فكم من ذئاب لهم أدوات لإصطياد فرائسهم عن طريق الخدع البصرية من كلمات معسولة ووجه يحمل خلفه أساطير الكذب والخداع

الوهم أن تعيش بظن الناس بمعنى أنك تتخيل أن الناس يفكرون فيك بطريقة ما وتتعامل في حياتك بهذا الأسلوب وكأنهم هم الذين يحددون تصرفاتك وأفعالك وبناء عليهم تتخذ قراراتك فهم يعيشون في نفوس الناس أكثر من العيش مع أنفسهم

ومن عجائب الوهم أنه يقنعك بأن من يملك المال يملك السعادة والقوة وأن من يحصل على زوجة جميلة لن ينظر إلى باقي نساء العالم وأن من يمتلك العقارات والأراضي وغيرها يعيش في حياته مطمئن لتقلبات الزمان، وأن النصر في الحروب لمن يمتلك العدة والعدد الأكثر في صفوف الجيش فكان رد عليهم القرآن ( إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين)

وما أغرب الواهمين في أنفسهم وما يملكون والمغالون فيما رزقهم الله من فضله فبدلاً من أن ينسبون الفضل لله على ما آتاهم يقفون ينددون ويهتفون نحن ونحن فهم في الحقيقة مخدوعين ويكذبون على أنفسهم ويكتشفون كذبهم عند أول نومه في فراش المرض

في هذه الحياة لابد من معرفة قيمة نفسك الحقيقة لا تغلو ولا تقلل من شئن نفسك، ولا تتكبر، ولا تنسب فضلاً رزقك الله إياه لنفسك، أعرف حجمك الطبيعي وأترك الوهم وعش الواقع حتى لا تكن عبرة للتاريخ.

وإلى لقاء آخر إن شاء الله

https://www.facebook.com/pro.momenms