اليمن ومشكلة العقل الأكاديمي!
نشر في 27 يوليوز 2017 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
من سمة المجتمعات القبلية التعصب والتعالي وتمجيد الأشخاص والانتماءات والنظر إلى الحياة نظرة نفعية قاصرة، لذا فمن الطبيعي أن ترى أفراد تلك المجتمعات يتسلحون بسلاح التعصب والإقصاء وتغلب الأخرين..إلخ .
ونظرا لكون مجتمعنا مجتمع قبلي، فإن تلك الثقافة تعد من أهم السمات المميزة للعقل اليمني، لأن عقل أي إنسان لا ينمو إلا في حدود القالب الذي يصنعه المجتمع له. وعقول النخبة الأكاديمية ليست إستثناء من ذلك لقد نمت في حدود ذلك القالب.
ليس العيب في العقليات، لكن في طبيعة السياسات التي انتهجها النظام السياسي في إدارة البلد، فمن سياسية الإفقار إلى سياسية التجهيل، ومن سياسة الاحتواء إلى سياسة التهميش .. الخ.لذا فقد عجزت النخبة الأكاديمية عن إحداث تغيرات اجتماعية تساعد على ضمور القيم التقليدية، وعن القيام بواجبها تجاه الوطن، واجبرتها على الخضوع والخنوع، وفي الوقت نفسة فقد جعلت تلك السياسات من اليمني أشبه بالطفل الذي لا ينال مراده من الكبير إلا بالتذلل والبكاء، أو بالرجل المسن الذي لا ينال حاجته إلا بالتملق والدعاء.
مثل هذه السياسات تنتج عقولا مشوهة، وفي بلدنا نتج عنها صفان من العقول الأكاديمية، الأول عقل متحيز متسلح بثقافة المجتمع التقليدية ..والآخر عايش في حالة صراع دائم بين ثقافة قبلية وأخرى مدنية.
مصيبة و مأساة اليمن ليست في النخبة الأكاديمية ككل، بل في الأكاديمي المتحيز، الذي اصطف وراء قوى لا هم لها إلا مشاريعها الضيقة، ومع ذلك الانحطاط ظهرت القيم المدفونة في الجزء الباطن من العقل. القيم التي تمجد الجماعات والأفراد والأفكار. ..الخ، بل إن أصحاب تلك العقول لا يزالون يعيشون بعقلية القرون الوسطى، التي يسيطر عليها منطق الحق المطلق الذي تحتكره جماعته أو حزبه...! فكل شخص يرى الحقيقية من خلال مصلحته، ونسى أن من مزايا هذا العصر هو أن الحقيقية المطلقة فقدت قيمتها، فما هو حق في نظرك باطلا في نظر غيرك.
مشكلة العقول المتحيزة أنها لا تستطيع أن تدرك الحقيقية كما هي في واقعها بل تراها بمنظار المصالح والعواطف والعقد النفسية الكامنة في الصدور. هناك من يرى أن سبب مآسي اليمن هو الشخص الفلاني دون غيره أو الجماعة الفلانية أو الحزب الفلاني، وهناك من يرى أن الشعب هو سبب كل المصائب ...! متجاهلا بذلك الأسباب الرئيسية للمشكلة التى حولت البلاد الى مقابر وأرامل و أيتام.
إذا كان هذا حال جزء كبير من عقول النخبة فكيف ببقية العقول؟ وكيف يمكن لمثل هذه العقول أن تبني وطنا؟ لهذا ما يمكن قوله أنه لا فرق بين عقول أتزرت بثوب العلم وأخرى بثوب الجهل، بل أن ضرر العقول المتزرة بثوب العلم أكثر على المجتمع من غيرها... حيث وصل بها المرض إلى التخندق في صف من يتنازعون الوطن بإسم الوطن...! ولعل المتابع لوسائل الإعلام يدرك ذلك حيث وقد أصبحت تلك العقول ابواقا بل آلات ناطقة بإسم الأفراد والجماعات والأحزاب تعيش من خلالها، وتعمل من أجلها.
ولا غرابة في ذلك لأن الأسير أشبه بالحيوان المملوك يقاد حيث يراد، لأنه يتحرك بإرادة غيره لا بإرادة. صاحب العقل المكبل لا يبحث عن الحقيقة لأنه يعرف أن الحقيقية هي ما قالها فلان وما سواها افتراء وزيف وبهتان.
أنا لا انتقص من قدرات تلك العقول، وامكانياتها العالية في توصيف المشاكل و الأزمات، ووضع الحلول الكفيلة بمعالجتها.. ما أعيبه عليها هو عدم قدرتها على الخروج من بوتقة الجماعة و الحزب والفرد، ونسيانها مهامها الوطنية المتمثلة في صناعة المستقبل وخلق وعي مجتمعي هادف إلى الرقي والنهوض بالإنسان .
لقد تولد عن التحيز واستلاب العقول إزدواج في الشخصية ، فالأكاديمي قبيلي في عقله الباطن ومدني في عقله الظاهر ، فهو متعصب لارائه ومتشدد لجماعته وحزبه إقصائي ومادي في أفعاله، بينما هو في أقواله يدعوا الناس إلى أحترام وجهات النظر وإلى حق الآخرين في الاختلاف عنه، وإلى المساواة والعدالة.
على الرغم من العقاب والصعاب التي تكتنف طريق كل من يرغب في كسر المألوف، إلا أن هناك عقول استطاعت أن تتجاوزها وتتحرر من تلك القيود - رغم عيشها في صراع داخلي بين قيم مدنية وأخرى قبلية -، لكن ما تزال أصواتها غير مسموعة أو غير مرحب بها، كونها تحاول أن تضع النقاط على الحروف، أي مواجهة الحقائق المتعلقة بقضايا الوطن.
كل من استطاع أن يحرير عقله من القيم والمعتقدات البالية التي تمجد الأشخاص والجماعات والأفكار وقع في الوقت نفسه بين متناقضين، فإما أن يسير إلى طريق الخضوع والجمود ويغرد مع السرب، وينقاد كالخراف عندما تتبع الأول من جنسها، أو أن يسير في طريق التجديد والتحرر، وهذه الطريق محفوفة بالمخاطر نتيجةً لهيمنة قوى لا تؤمن بطريق ثالث فإما أن تكن معي أو ضدي، وكل من يسلك هذه الطريق فهو في نظر أصحاب الإتجاه الواحد مذبذب منافق؛ بل ممن يسعون إلى شق الصفوف وإحباط الهمم وتزييف الحقائق.
في النهاية هذه وجهة نظر قد تحتمل الصواب، كما تحتمل الخطأ، ولست ممن يلزم الآخرين بالاقتناع بها، كفاني أن أقول ما أنا مؤمن ومقتنع به، فإن أصبت فمن الله وإن اخطاءت فمن نفسي ومن الشيطان.
نشر في 27 يوليوز
2017 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022
.
التعليقات
لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... ! تابعنا على الفيسبوك
مقالات شيقة ننصح بقراءتها !
مقالات مرتبطة بنفس القسم
فاطمة بولعنان
منذ 4 أسبوع
fawzi mosbah
منذ 1 شهر
من المستفيد من النّزاع القائم بين المغرب والجزائر؟
رشيد مصباح(فوزي)كاتب جزائرئإذا أردت معرفة المجرم الحقيقى فابحث عن المستفيد من الجريمة.يبدو أن هذه المقولة هي المعيار الحقيقي لمعرفة من المستفيد من النّزاع القائم بين بلدين مثل المغرب والجزائر.إنهاء الاحتلال الصّليبي ثمنه لم يكن مجرّد أرواح تم تقديمها على الأكف
مريم الجزائري
منذ 1 شهر
جلال الرويسي
منذ 2 شهر
نظام إدارة المخزون والمبيعات
يعتبر نظام إدارة المخزون والمبيعات (Inventory and Sales Management System) أحد الأنظمة و الأدوات الرئيسية التي تساهم في تحسين أداء الأعمال وتسهيل العمليات اليومية في الشركات Business Operations. يقوم هذا النظام بتنظيم و ترتيب العمليات المتعلقة بإدارة المخزون وعمليات البيع،Logiciel de gestion de stock au en Afrique et Maroc
Le Maroc, en tant que plaque tournante économique de l'Afrique du Nord, voit de plus en plus d'entreprises adopter des stratégies avancées de numérisation, gestion d'entreprise et gestion de stock de produits de distribution pour rester compétitives sur le marché
Rabah Islam
منذ 6 شهر