هالني ما حصل الأسبوع الماضي في سطيف الجزائرية ، و هالني ذلك المهووس المسخ الذي خشي على عذريته من تمثال حجري يبلغ قرناً من العمر ، و لكن ما صعقني هو تلك الإشادات التي تلقاها ذلك المسخ و التبريكات للفعل الشنيع الذي أقدم عليه ، من قبل عديد رواد التواصل الإجتماعي العرب .
لن أناقش التعليقات السياسية ، و التي اتهمت حكومة الجزائر بأنها كافرة و مرتدة و ما إلى ذلك من دواعي الاسلام السياسي ، الذي خرب البلاد و هجّر العباد ، و لم يترك موجة إلا ركبها في سبيل تحقيق غاياته المنفعية .
سأناقش قليلا أولئك البسطاء الذين اعتقدوا أن ما فعله مسخ سطيف هو نصرة للدين ، و ربما كانوا يعتقدون أنه لولا تلك الفعلة لسقط دين الاسلام و تشرذم المؤمنون به .
فعلها ابراهيم من قبله ، و توّجه ربي نبياً ، قال أحدهم ، و نسي ذاك أن ابراهيم لم يحطم الأصنام خشية على الدين ، بل لتبيان نقصها و ضعفها و ضحد الكهنوت الذين استثمروا بها ، و استحمروا البسطاء ، و ما أقرب اليوم من الأمس .
أحدهم قال أن الرجل الثلاثيني قد فتنه التمثال و خشي على نفسه و على غيره ، و أسأله هنا ، يا ترى ، إن لم يقم ذلك المهووس بتحطيم التمثال ، هل كان فعل الفاحشة معه ؟ أم أنه خشي على نسله من تمثال لا يدري له حسباً و لا نسباً ؟
راقني جداً دفاع الأهالي عن التمثال العتيق ، و راقني تدافعهم و انكارهم للحادثة المستنكرة ، و التي أثبتت أننا شعب لم يمت بعد ، و أن هناك ، في الأفق البعيد ، بصيص نور قد ينتشلنا من هذه العتمة الكالحة ، و التي أرخت بظلالها على كل تفاصيل حياتنا .
حياتنا التي بات شخص كعبد العزيز القناعي متهماً ، و مداناً ، في حين يجد مهووس سطيف من يتعاطف معه ، و يجد من يناصره و يشد على يديه و يبارك شناعته .
و لكن ، هل سألنا أنفسنا لم وُجد بيننا هذا المسخ المهووس ؟ هل سألنا لم وجد بيننا من يبارك فعله و يعتبره بطلا ؟ تأتيك الإجابة عندما تعلم أن ذلك المعتوه يعتبر الموسيقى حرام ، و الفنون مبارزة لخلق الله ، و المرأة عورة يجب دفنها و التخلص من عارها .
هذا المسخ و أمثاله ، يعتبرون أن كل المختلفين عنهم حل لهم ، و أن كل الفكر المختلف عنهم هو هرطقة ، و كل ما لم يتحدث به السلف هو بدعة يجب وأدها و التخلص منها .
أولئك يعتقدون أن دينهم أوهن من بيت العنكبوت ، فهم يخشون من الآخر ، و يخشون من العقل ، و يحاربون الفكرة .
هل سألت نفسك ، كيف تحصل على مسخ يخشى على نفسه فتنة تمثال حجري يفوق عمره القرن ؟
الوصفة جاهزة و متوفرة عافاك الله .
حرّم الموسيقى و أمنع الفن و حارب حرية الرأي ، و أترك للطبيعة أن تكمل ما بدأته ، و ستجد هؤلاء المسوخ ينسلون من كل حدب و صوب .
-
Nafez Sammanكاتب و باحث و روائي سوري