إنّما : حرفُ تنبيهٍ للتشريعْ
قبل شهور دار نقاشٌ قديمٌ .. جديدْ ..على استحياء و مواربة بين أقطاب الحكومة و المعارضةحول موضوع
القمار الذي و من العجيب أن يندرج تحت مسميات أخرى ويتقنّعَ بألقابٍ جميلة كاليانصيب الوطني أو
الألعاب الرياضية وغيرها من الأسماء المقنّعة،و هذا يذكرني بحديث شريف للمصطفى(ص) حين قال :
( يأتي على أمتي زمان، يشربون فيه الخمر ويسمونه بغير اسمه ) : صدقتَ يا رسول الله ، فعدوى تغيير
الأسماء انتقلتْ حتى للميسر و القمار .
على أيٍّ ، عندما استقْرأتُ جيّداً رأيَ التيار اللبرالي المتحالف مع التيار المحافط داخل الحكومة ، خالجني
شعورٌ من الغضب و الإحباط بل و من الخجل في نفس الوقت ، إذْ كيف يُمكن للبعض مهما كانت
درجته الثقافية و مهما كانت مرتبته السياسية أن يُصادر حقّاً تشريعياً إلاهياً ، مهما كانت الذرائع ..
و دون الخوض في مناقشة هذه الذرائع و ما شاكلها من التعليلات والحيثيات ، أريد بكلِّ تواضع شديد
أن أنبّه البعض بأنّ القرآن في مجمله يُعبّر عن آيات توفيقيّة وأخرى توقيفيّة ، هذه الأخيرة تعتبر من
الثوابت شرْعاً وتشريعاً ،وبالتالي إذا قمتَ بإحصاء هذه الآيات التوقيفيّة ، فإنّكَ ستجدُ أنّ الحق سبحانه
أوْردَ حرف (إنّما) ليس فقط من قبيل التأكيد به كحرف تقليدي عند النحاة و إنما كتنبيهٍ للتشريع فحين
يقول سبحانه :
(إنّما الخمر و الميسر) يعني : انتبهْ فالمشرّع سيُعلن قاعدة فقهيّة ثابتة ، و بمعنى أدق ، انتبهْ فالمشرّع
سَيُمنْهج لكَ قاعدة تشريعية لا اجتهاد مع مضمونها و خصوصاً أنّ علام الغيوب قدْ أوردها للتنبيه
العام فيما يخصّ مرْجعيته المطلقة للأمور و ذلك بقوله سبحانه :
( إنّما إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) ليأخذ هذا الحرف الإعجازي ليس فقط تنبيها في تأصيل ما
سيشرّعه الله لعباده .. بل و حتّى تنبيهاً لكلّ الخلائق من إنس وجان و ملائكة أنّه صاحب الشأن الكلّي و
الحكم المطلق لكلّ الأمور و لذلك أجاب ذاته العليّة في سورة الأعراف :
( ألا له الخلق و الأمر تبارك الله ربّ العالمين )
على أيٍّ ، ما أريد قوله صراحة ً ، هو أنّ المجادلة وحتّى المشاكسة في تبنّي الأفكار قد يوجدُ لها أعذاراً كلّما
كانت تندرج في خانة التنظير حيث يكون الرأي يقابله رأي آخر دحضاً و تفنيداً لكن حين تندرج في
الالتفاف على نصٍّ توقيفي و على حقّ تشريعي نبّهَ إليه الله فهذا تطاول لن يطول و هذا تجنّي لن يدوم
نسأل الله الهداية للحميع و الله أعلى و أعلم .
بقلم ذ : تاج نورالدين
-
تاج .. نورالدين .محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...