41

رسالة لشخص يقرأها بعد مئة عام

مرحبا صديقي، أكتب لك باللغة العربيّة التي أدري أنّها سوف تبقى خالدة ما بقي الكون والإنسان، وهل تظنّ أنّها لن تكون لغة أهل الجنّة؟!

بلى سوف تكون، هذا ما استنتجته من العظمة التي وهبها الله لهذه اللغة الجميلة حيث أنزل كتابه بها.

أنا مدرّس وأسكن في المحمّرة، والمحمّرة مدينة عربيّة من مدن الأهواز.

قد تتعجّب إن قلت لك إنّني لا أداوم في المدارس منذ أكثر من سنة.

وسوف تتساءل: مدرّس ولا يداوم في المدارس؟! كيف هذا؟!

لا بدّ أنّه متقاعد.

كلّا، لست متقاعدا، وإنّما غزى العالمَ فيروس خرج من مختبرات الصين وعطّل المدارس.

وأمسيتُ أدرّس طلابي عبر تطبيق اسمه تطبيق (شاد).

وقد قتل هذا الفيروس حتّى الآن ثلاثة ملايين ونصف مليون شخص في العالم.

وماذا أكتب لك أيضا؟

سأكتب لك عن الكتاب...

ليست لدينا مكتبات عربيّة في المحمّرة، ولهذا لا ترى الناس تقرأ، وأنت تعلم يا صديقي أنّ الحياة لا تستقيم سليمة دون القراءة.

أقول لبعض أبناء شعبي أن يقرأوا الكتب الإلكترونية والتي توجد في المواقع العربيّة بصيغة (بي دي إف)، لكنّهم يقولون إنّ الجوّال يؤذي أعينهم!

وأنا لا أراه دليلا مقنعا ليجعل المرء يبتعد عن الكتاب!

ليس هذا دليل ابتعاد الناس عن الكتاب، الدليل الرئيسي هو أنّ معظمهم يعانون من الفقر الاقتصادي، يعانون من البطالة، يعانون من التمييز والعنصريّة؛ والفقير الذي لا يستطيع أن يشبع أطفاله لا يقرأ.

والفقر الاقتصادي يولّد الفقر الثقافي والفقر الفكري، وهلّم جرّى نحو التدهور والانحطاط، والمتاعب...

وماذا أكتب لك أيضا؟

سأكتب لك عن تكنولوجيا التواصل:

جميع الأفراد يمتلكون الجوّال، ويستخدمون تطبيقات التواصل، لكنّ

التطبيقات تتطوّر يوما بعد يوم، والجوّال إن لم تجدّده لا يدعم التطبيق الجديد، وهذا يعني

أن نشتري كلّ عامين أو ثلاثة أعوام جوّالا جديدا، ولا أريد أن أطرح قضية الفقر الاقتصادي ثانية، لكنّ أبناء البلد لا يستطيعون شراء الجوّال الجديد الذي قد يبلغ سعره ثلاثة أضعاف رواتبهم!

لدينا تطبيق الفيسبوك والإنستغرام والواتساب والتيليجرام والتويتر، وقد جاء مؤخّرا تطبيق كلاب هوس.

وقد لا تصدّق إن أخبرتك أنّ الحكومة تحجب بعض التطبيقات عن الشعب وهي تستخدمها!

مفارقة عجيبة أليست كذلك؟!

وثمّة مواضيع أخرى غير قليلة أردت أن أخبرك عنها ولكنّي سأؤجلها، لا أريد أن تطول رسالتي.

ولكن قل لي كيف لي أن أرسلها لك؟!

هل لديك عنوان بيت، أو عنوان بريدي إلكتروني، أو رقم هاتف، أو ماذا؟!

(شكرا للنشطاء الثقافيين الذين سوف يفخر بهم الجيل الآتي أيّ فخر وهم يضحّون بأموالهم ووقتهم لتثقيف أبناء شعبهم، ولا يخافون لومة لائم.)

23-5-2021

42

جواب رسالتي التي أرسلتها لشخص يسبقني مئة عام

أهلا بك صديقي، استلمت رسالتك في تاريخ 22-5-2121 وقد أسعدتني كثيرا.

أنا أيضا أسكن في المحمّرة، وقد درستُ باللغة العربيّة التي أصبحت منذ أكثر من ستّين عاما لغة العالم في المدارس والجامعات بجانب اللغة الإنجليزيّة والفرنسيّة.

المدرسة التي تخرّجت منها تقع في قارّة أوروبا، أمّا الجامعة التي نجحت فيها تقع في قارّة أميركا.

وقد تظنّ أنّ دراستنا تتمّ عن بعد نظرا لبعد المسافات؛ كلّا ليست عن بعد، أحضر في الصفّ في أميركا عند الساعة التاسعة صباحا، وأرجع إلى البيت في المحمّرة بعد ساعتين... إنّها التكنولوجيا يا صديقي، فنحن نعيّن مقصدنا في الخارطة الذكيّة ونضغط على زرّ فنكون هناك لحظة خروجنا من البيت.

ولا نستخدم سيّارات أو طائرات أو سفنا، إنّها عمليّة انتقال عجيبة لا تستطيع أن تستوعبها.

أمّا بالنسبة إلى الأوبئة، فقد غزت العالمَ فيروسات كثيرة على مرّ السنين منها فيروس (كو) والذي قتل من الشرق الأوسط مليون شخص قبل خمسين عاما، ثمّ فيروس (رش) قبل أربعين عاما، وقد وجدوا لقاحه بسرعة؛ وفيروس (هو) قبل عشرة أعوام والذي منع النظام الذكيُ انتشاره لحظة خروجه من المختبر.

وهناك فيروسات أخرى مثل (چورونا) و(شنگ) وقد كشفها النظام الذكي وأزالها قبل أن تضرّ أحدا.

أمّا الآن وقد حكم الكرة الأرضية كلّها نظام صحّي ذكيّ، فلا وجود للفيروسات والأمراض والأوبئة، والجميع يتمتّع بصحّة جيّدة.

بالنسبة إلى المكتبات، لا أدري كيف أشرح لك الأمر، ولكن يكفي أن تختار الكتاب فيظهر أمامك باللغة والخطّ واللون والمقياس الذي تشاء، فتقرأه.

ولا ضرورة للجوّال الذي ذكرته، فقد تمّ اختراع أجهزة سائلة يُلقَّح الطفل بها حين ولادته فيغنيه عن الجوّال الذي كلّمتني عنه وعن سعره الباهظ، وحتّى عن التلفزيون والسينما.

وبواسطة هذه الأجهزة يستطيع التنقّل من مكان إلى مكان بضغط على زرّ صغير جدّا.

أمّا عن مجموعات التواصل، فلدينا تطبيق واحد يفعل لك ما تشاء، وهو تطبيق حسّي يسمعك ويكلّمك ويلبّي طلباتك في الحال.

اطلب منه أن يقلّم أظافرك...سيفعل.

أن ينظّف أسنانك، أو يخلع المسوّسة منها ويستبدلها بأخرى جديدة ... سيفعل.

وليس هناك حكومة محليّة تحكم كيف تشاء، ليس هناك احتلال أو شعب مهمّش وآخر منعّم.

لدينا نظام واحد يحكم العالم كلّه، ويحكمه بذكاء وعدل.

أرغب أن أكتب لك عن البيئة والأشجار والأنهر، وثمّة أشياء حياتيّة أخرى وتطوّرها، ولكن أخشى أن تطول رسالتي.

وداعا صديقي.

(شكرا للذين يكتبون الإنشاء باستمرار، وعتبا على الذين لا يكتبون.)

26-5-2021

سعيد مقدم أبو شروق

الأهواز