أسرة سلمى 26-28 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أسرة سلمى 26-28

  نشر في 25 شتنبر 2021 .

26

- ألو، مرحبا أمّ سعد.

- أهلا، أهلا، تفضّل.

- أريد الذهاب إلى السوق، اتصلتُ لأرى إن كنت تريدين شيئا.

- نعم، أريد الدجاج، اشترِ لنا دجاجتين رجاء.

وإيّاك أن تشتري من المحلّ الأوّل، فإنّه يبخس الميزان.

- أدري، أهل السوق كلّهم يعرفونه.

في غياب الإشراف على البائعين والمتابعة الرقابيّة، أمست السرقة في الميزان لدى البعض أمرا عاديّا!

- ماما، ماما...

- ما الأمر يا سعد؟

- على حائط جيراننا لافتة سوداء.

- لافتة سوداء؟! سأستفسر من أمّ أحمد.

- أبا سعد، بنت جيراننا توفّيت، والتشييع اليوم.

- أيّ جار؟

- أبو حميدة.

- أيّة واحدة منهنّ توفيّت وكيف؟

- حسنة، زوجها وابنها البكر أصيبا بالكورونا، فأرسلت بنتيها إلى بيت أبيها ورجعت لتعتني بهما.

وخوفا من الابتلاء بالفيروس، استقرّت في الفناء تطبخ لهما وتداريهما من بعيد، وتنام في السيّارة.

- في السيّارة؟! وفي هذا الحرّ القاتل؟!

- كانت تشغّل السيّارة وتستخدم المكيّف.

- ولا بدّ أنّها تخشى على السيّارة، فأطفأتها؛ وهي سمينة فأصيبت بجلطة من شدّة الحرّ.

- صحيح، هذا ما حصل.

- رحمها الله، لكنّنا في ظلّ انتشار كورونا دلتا لا نستطيع أن نشترك في التشييع، سنعزّيهم لاحقا.

- أبا سعد، أقاموا مجلس تأبين في حسينيّة الحاج عبدالحسين، وفيها جناح للنساء أيضا.

- حسنا، سنذهب معا، وأرجو ألّا تمكثي أكثر من نصف ساعة، وألّا تزيحي الكمامة.

سأنتظرك بعد نصف ساعة.

- حسنا.

- عند دخولي، اعتلى (الملّا) المنبر وبدأ بأبيات رثاء فصيحة، لكنّه أزعج أذنيّ حيث نصب المرفوع وكسر المنصوب ورفع المكسور!

- بعد اشتراكك في صفوف أبي شروق أصبحت أذناك مرهفتين!

- نعم، بدأ اللحن في اللغة يؤذيني.

تذكرت قول الرجل الهندي الذي قال: اكسر عظامي ولا تكسر المنصوب.

- أنا في حيرة من أمر هؤلاء الملالي، لماذا لا يدرسون اللغة فيتعلّمونها جيّدا!

مهنتكم تستوجب أن تتعلّموا العربيّة، فلماذا تتقاعسون؟!

ثمّ ألا تظنّون أنّ استلامكم أجرة مقابل عمل لا تتقنونه محرّم شرعا؟!

- المشكلة يا أمّ سعد في الناس الذين يحضرون مجالسهم ويستمعون إلى كلامهم المملّ دون أيّ اعتراض.

لو تصدّى لهم بعض المثقّفين بأسئلة تخصّ رقيّ مجتمعنا، لرأيتهم يدرسون ويقرأون الكتب ليلا ونهارا؛ لكنّ الناس يحضرون مجالسهم لكسب الثواب ليس إلّا. وهذه رؤية ضيّقة جدّا.

- هذه غاية الأميّين.

- اسمعي هذه الطريفة:

قبل سنين كان أحد الأصدقاء يحضر المجلس ليلتقي بالجيران، وعندما يبدأ الملّا النواحَ، يستخدم صديقي سمّاعات الأذن ليستمع إلى رواية 1984 لكاتبها جورج أورويل.

15-7-2021

27

- أبا سعد، أقلقتني!

لماذا تأخّرت؟!

- آسف حبيبتي، لقد سكّروا الطرق وبدأوا يفتشون السيّارات.

حاولت أكثر من مرّة أن أتصل بك، ولكنّهم قطعوا خطوط الاتصالات كما تعلمين.

- وقطعوا شبكة الإنترنت أيضا!

- الحلّ ليس في قطع خدمات الاتصالات والإنترنت، ما لهم لا يفقهون؟!

الحلّ يكمن في إرجاع المياه إلى مجاريها، أن يفتحوا السدود، أن يحجموا عن عنصريّتهم ويوظّفوا شبابنا، أن يفرجوا عن أسرانا، وهناك حقوق أخرى سوف تندرج إلى قائمة مطالبات المتظاهرين.

- البارحة استخدمت الشرطة الرصاص الحيّ ضدّ المتظاهرين وارتقى شهيدان من الفلاحيّة.

- وبعدها من الخفاجيّة، وهناك مقاطع مرئية أخرى تظهر أنّ عدد الشهداء في تصاعد.

- أبي، هل سيغرسون لكلّ شهيد نخلة كما يفعلون لكلّ مولود ولكلّ عريس؟

- سؤالك يا سعد يشبه الاقتراح، وأجمل به من اقتراح!

ولكنّ أهل الشهيد يا بنيّ ليسوا في حالة تسمح لهم أن يغرسوا فسيلة؛ فهم في حزن عميق من فقد ابنهم، سنغرسها نحن بدلهم.

- وإن كثر الشهداء، ماذا سنفعل؟!

ليست لدينا فسائل كثيرة، العلب التي زرعنا فيها نواة التمر عشرة فقط.

- هذا ما لا نتمنّاه يا بنيّ، نتمنّى أن يذعن النظام الإيراني لمطالب المتظاهرين الأهوازيين.

- قلت لي ذات مرّة إنّ الشهداء في الجنّة، فلمَ التوجّس من كثرة الشهداء يا أبي؟!

- يا سعد يا فلذة كبدي، هب أنّك استشهدت في المظاهرات، وأنا طبعا أفضّل الشهادة على موت الوسادة، ولكن تصوّر حالي وحال أمّك وشقيقتك بعدك، فراق الأحبّة صعب يا ولدي.

- ما لي أراكِ تبكين يا بدور؟!

- أبكي لأنّ شقيقي سيفارقنا.

- سعد؟ أين سيذهب؟!

- يستشهد.

- يا عزيزتي، أبكيتني!

بنيّتي الصغيرة، سعد لم يزل طفلا، ولن يخرج إلى المظاهرات كي يستشهد.

وأنت يا أمّ سعد، لماذا تبكين؟!

- أبكي على الشباب الأبرياء الذين استشهدوا، أبكي على حزن أمّهاتهم الثكالى.

- ستُفرج يا أمّ سعد، وأنّ الدجى سيزول لا محالة، والشمس ستشرق عن قريب.

24-7-2021

28

- رحم الله أباك وأدخله الجنّة.

- آمين، شكرا لك.

- أبا سعد، أرجو أن لا تزعل إن أخبرتك أنّ إخوتك لم تعجبني تصرّفاتهم.

بعد دفن أبيك بساعات دخل أخوك الأكبر يبحث عن ملابس أبيه ويطالب بصوت يسمعه الجميع:

أين البشت؟ البشت لي، ملابس الأب يرثها الابن الأكبر!

وأتساءل، هل هذا الوقت مناسب للمطالبة بملابس أبيه؟!

ثمّ هل هناك حكم ديني، أم قانون عرفيّ ، أم حكم جاهلي، يقرّ بأنّ ملابس الأب للابن الأكبر؟!

- شقيقي الأكبر سامحه الله لم يزر أباه وأمّه إلّا مرّتين في السنة!

وجزعه هذا تمثيل أمام الناس ليس إلّا.

- كيف لم تستطع أن تقنعه بعدم إقامة مجلس تأبين؟!

- حاولت كثيرا، أقنعت الأصغر، وباءت محاولاتي مع الأكبر بالفشل!

أحببت أن نتصدّق بهذا المال الذي أنفقه في مجلس التأبين، على الفقراء والمساكين؛ لكنّه أبى إلّا أن يقيم مأتما!

حبيبتي، أمّي ستسكن معنا، هل لديك مانع؟

- لا طبعا، كيف أمانع وهي أمّك؟! سنخصّص لها الحجرة الكبيرة.

- هذه الحجرة بالكاد تتسع إلى أغراضها.

وشكرا لأنّك لم تمانعي حضور والدتي.

بعد ستّة أشهر...

بدور: أبي، جدّتي تمشي حافية في الفناء ثمّ تدخل الصالة دون أن تغسل رجليها فتوسّخ السجّادات.

وإن دخلت الحمّام لا تقفل الباب.

وبعد خروجها من المرحاض لا تغسل يديها بالصابون.

وتمسح أنفها بحجابها، وأمس رأيتها تبصق في المطبخ.

فؤاد: بنيّتي بدور، جدّتك قد تنسى أن تحتذي نعالها، مثلما أنت قد تنسين.

وإن دخلت الحمّام، ابتعدي قليلا عنه، وعند خروجها من المرحاض، ناوليها الصابون واطلبي منها برفق أن تغسل يديها؛ هكذا:

جدّتي العزيزة، تفضّلي اغسلي يديك.

ولا بأس أن تحضري لها بين الفينة والأخرى منديل ورق.

والآن أخبريني، من هي بنيّتي المدلّلة الحنونة التي تساعد جدّتها.

- أنا.

سعد: أمس علست جدّتي الخضرة ورمتها على السماط.

وخرطت البلح من النخلة ولم يزل أخضر فأكلته!

وتفتح الثلّاجة نصف ساعة تفتّش ما فيها من أعلاها إلى أسفلها.

فؤاد: ولدي سعد، ماذا سوف تفعل بي عندما أطعن في السنّ وتسيء تصرّفاتي، ترتعش يدي فيسقط الرزّ من ملعقتي على السماط، أريد أن أبلع اللقمة فلا أستسيغها فألفظها، أخرج طاقم أسناني فأضعه في إناء الماء والملح أمام أطفالك، أجلس على الأرض وأمدّ رجليّ أمام ضيوفك، أشخر في منامي بصوت مزعج...

هل سترميني خارج بيتك؟

- كلّا يا أبي.

- ستتحمّل تصرّفاتي لأنّني أبوك، صحيح؟

- نعم.

وهذه والدتي، كبرت وأمست تصرّفاتها غريبة، وعلينا أن نتحمّلها.

- حسنا، لن أشكو منها بعد الآن.

سلمى: حبيبي أبا سعد، أرجو أن لا تستاء إن أخبرتك عن والدتك وهي تستغل غيابي فتعبث بملابسي وأشيائي الخاصّة، ولا تترك ماعونا إلّا أكلت منه، حتّى لو كانت شبعى، أمس نهضت من مائدة الغداء ولم تكمل صحنها، فتوجّهت إلى قدر الرزّ فأكلت منه بيديها، وشربت من المرق قليلا، وفي اليوم أغسل المرحاض بعدها ثلاث مرّات أو أربعة، وقبل يومين ضربت بدور لأنّها كانت تلعب بالأرجوحة واصطدمت بها.

بالمناسبة هي أمّ إخوتك أيضا، فلماذا لا يشاركوننا في رعايتها؟!

فؤاد: الحقّ معك حبيبتي، أدري أنّك لست ملزمة برعاية والدتي والتي بلغت من الكبر عتيّا، سبعة وثمانين عاما، أمست في أرذل العمر، وفي هذا العمر قد تتصرّف على غير هدى، أو قد تظنّ تصرفاتها اعتياديّة حيث كان أفراد الأسرة في ذلك الزمان يأكلون بأيديهم وفي بادية واحدة، ويشربون من (مدانة) واحدة وبإناء واحد، وفي كلّ غرفة كانت أصابعهم تلامس المياه.

هي من جيل وأنت من جيل آخر، جيلها يبعد من جيل سعد وبدور أكثر من ثمانين حولا؛ ولهذا ترون تصرّفاتها غريبة.

فأرجو منك أن تتحمّليها لأجلي.

- حسنا، لا بأس، سأصطبر لأجلك.

- أشكرك كثيرا.

بالنسبة إلى أبنائها، هل أرميها عليهم رميا؟!

أمّ سعد، المرء وذاته.

- صحيح، أنت محقّ.

ربّما حجّتهم هي أنّ الوضع الاقتصادي صعب وإيواؤها مكلّف، خاصّة وأنّ المرحوم لم يترك لها راتبا تقاعديّا.

الحمد لله الذي رزقنا وجعلنا قادرين على إيوائها.

- الحمد لله، وأشكرك ثانية.

29-7-2021

سعيد مقدم أبو شروق

الأهواز



  • سعيد مقدم أبو شروق
    سعيد مقدم أبو شروق مدرس فرع رياضيات أسكن في الأهواز أحب القراءة والكتابة، نشر لي كتاب قصص قصيرة جدا.
   نشر في 25 شتنبر 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا