موقف عرب الداخل الفلسطيني من الانقسام بين حركتي فتح وحماس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

موقف عرب الداخل الفلسطيني من الانقسام بين حركتي فتح وحماس

ملخص للفصل الثالث من رسالة الدكتوراه مقدم من الباحث علي ابو زايد للحصول على درجة دكتور في العلوم السياسية تحت إشراف الدكتور ديفيد هوبنسيان جــــــــامعة يريفـــــان الحـــكومية قسم والدراسات العربية

  نشر في 25 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

ملخص للفصل الثالث من رسالة الدكتوراه مقدم من الباحث علي ابو زايد

للحصول على درجة دكتور في العلوم السياسية تحت إشراف الدكتور ديفيد هوبنسيان

جــــــــامعة يريفـــــان الحـــكومية قسم والدراسات العربية

موقف عرب الداخل من الانقسام الفلسطيني

لن يقف فلسطينيو الداخل مكتوفي الايدي أمام أي شيء يُؤرّق مستقبل الشعب الفلسطيني بصفتهم القسم الصامد والأساس في الشعب والذين استمروا بالحفاظ على بقائهم على أرضهم رغم كل سياسات الحكومة الاسرائيلية العنصرية التي حاولت تفريغهم من وطنهم ولا زالت حتى الان تمارس العمليات القمعية والعنصرية التي يمارسها حكامها ضد كل الفلسطينيين العرب في فلسطين داخل الخط الاخضر حدود عام 1948. ففي كافة مراحل تطور القضية الفلسطينية كان لهذا الجزء من الشعب الدور الريادي الواضح بالرأي والموقف والفعل تجاه اي تطور يحصل أو دسائس تُحاك ضد شعبهم. ولهذا ومن خلال استقصائنا لمواقف العديد من القيادات منهم استطعنا استطلاع الاراء والمواقف التي بمجملها أبرزت دور الاحتلال الاسرائيلي في محاولاته لتغيير ديموغرافية البلاد ومحاصرة الشعب الفلسطيني أينما وجد ومحاولات تهميشه والتضييق عليه وحتى باختلاق الدسائس لتشتيته ومحاصرته وإضعافه.

من هنا، فحينما حصل الانقسام الفلسطيني والذي تجسّد أصلا ما بين حركتي حماس وفتح والذي انعكس سلباً على مجمل القضية الوطنية الفلسطينية، كان لقيادات شعبنا في مناطق إلـ 48 دوراً بارزا في محاولات رأب الصدع ومحاولات التوفيق والاصلاح ما بين طرفي الصراع، والذي كان أصله نزاع على السلطة والسيطرة على مقدرات الشعب ومستقبله وليس صراعاً فكريا او ايديولوجيا، لأن منبع وأصل الحركتين واحد وجذورهما التأسيسية واحدة، برغم برامجهما المعلنة المختلفة والتي لا تعبّر عن الجوهر. لكن المشكلة بالإسقاطات التي حصلت على برنامج كل جهة من خلال الاجندات الخارجية التي فُرضَت عليهما والمصالح الضيقة للمتنفذين من كل طرف. لذا وقع الشعب الفلسطيني برمّته تحت طائلة التشتت والانقسام وانعدام الثقة وخلق هُوّة ما بين القيادات والشعب وجرى إضعاف واضح لكافة الفصائل السياسية وتحييد دورها في هذا الصراع برغم محاولاتها التدخل لإصلاح ذات البين، لكن لم يكن دورها صارماً وجريئاً ولم تخلق إطاراً وطرفاً ثالثاً للتضييق على سلوكيات حركتي فتح وحماس أو الحدّ منها.

لكن، كما هو مُعلَن فإن جذور الخلاف ما بين الحركتين والوصول لحالة الانقسام سببه أن الاختلاف في الفكر والمصالح والاجندات قاد إلى الاختلاف في أساليب المقاومة، وكذلك إلى العلاقات الفلسطينية مع دول الجوار وإسرائيل ، باعتبار أن فتح تمثل التيار "القومي العربي"، بينما حماس تمثل التيار الديني "المعاصر" وتتزعمه، وهذا جعل الرؤية تجاه عملية السلام والسلطة الفلسطينية متناقض بين حماس وفتح وجعل الحركتين سياسياً في خلافات مستمرة تعود إلى البدايات الأولى التي نشأت فيها حماس وهي انتفاضة الحجارة عام 1987، والأمر الذي عمّق الخلاف هو استبعاد حماس عن سدة الحكم وعدم تمكينها من الوصول إلى مراكز متقدمة في السلطة ، وخاصة بعدما فازت في الانتخابات بأغلبية المجلس "التشريعي" الفلسطيني.

كانت إجابات العينة التي تم استطلاع رأيها بخصوص الموقف من الانقسام متفاوتة ولا تضع سبباً واحداً، وانما هناك أسباب عدة لعل ابرزها ما عبر عنه الدكتور أسعد غانم، حيث قال: " كان لإسرائيل دور في الانقسام لأنه يخدم مصالحها من ناحية ومن ناحية اخرى هي ليست بحاجه للانقسام لأنه ضد عملية السلام، فالبنية الوطنية الفلسطينية ضعيفة وكان ظاهراً بأن مصلحة الرئيس أبو مازن تتقاطع مع المصلحة الاسرائيلية كما وأن موقفه كان إرضاءاً لحركة فتح وطموحاته الذاتية حال دعى الشعب لإنتخابات عامة، فكان بإعتقاده حينها أنه يستطيع إعادة بناء البنية الداخلية الوطنية، لكن بالوضع الحالي لا يمكن إجراء أي تغيير على الواقع السياسي الداخلي".

واتفق معه في هذا الرأي الدكتور إبراهيم أبو جابر الذي رأى بأن الصراع هو صراع أيديولوجيا فكري بين الحركتين قبل أن يكون سياسيا، حيث قال: لا شك ان السبب الرئيسي الذي ادى الى الانقسام هو موضوع اتفاق اوسلو والاختلاف الايديولوجي ما بين فتح وحماس وايضا مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الامر له تداعيات على المستوى العربي. فهناك منظمة التحرير والتي تدعمها الدول العربية ودعمت ما يعرف بالتسوية السلمية، وحركة حماس لديها ارتباطات دينية وعقائدية مع حركة الاخوان المسلمين، ولهذا السبب فان النهج الديني لحركة حماس هو نهج ايديولوجي يختلف عن النهج والايديولوجيا التي تتبعها فتح او منظمة التحرير. هذا الموضوع تطور وانعكس سلباً على المستوى الداخلي الفلسطيني او على البيت الفلسطيني وارتبط ايضا ببعض القضايا الداخلية، التي بأسلوب او بآخر ساعدت على التسريع بموضوع الانقسام. ومن جملة هذه الاسباب موضوع الفساد الذي كان موجوداً في السلطة الفلسطينية، وتحديدًا في قطاع غزه من خلال المحسوبية والفساد المالي، والاخطر من ذلك الفساد الاخلاقي كما علمنا في وسائل الاعلام، حتى عملية الحسم العسكري وضبط بعض الملفات التي تتعلق بالفساد، إضافة الى ذلك هو قيام السلطة الفلسطينية بإعتقال قيادات من حماس والزج بهم في السجون والاعتداء على بعضهم في المساجد أو في الأماكن العامة. كل هذه الأمور أدت الى نشوء شرخ في النسيج الفلسطيني، وتطور الموضوع بإستخدام الأسلحة والحسم العسكري وسيطرة حماس فعليا على قطاع غزة بعد انتخابات عام 2006 أي في بدايات عام 2007، الأمر الذي أدى لوجود كيانين أحدهما في قطاع غزة بقيادة حركة حماس، وآخر بالضفة بقيادة منظمة التحرير تقوده حركة فتح".

ويتفق مع هذا الرأي أيضا مسعود غنايم ، الذي رأى في الانقسام أنه ليس وليد اللحظة التي نشب

فيها وانما يعود لأصول أيديولوجية وفكرية بين الحركتين والمصالح المتضاربة بينهما، حيث قال: "باعتقادي بأن الانقسام هو عملية تراكمية يعني أنه لم يبدأ بمحض الصدفة وسريعاً، إنما بسبب تراكم كثير من الأمور التي أدت الى الانقسام بالشارع الفلسطيني بين فتح وحماس. بطبيعة الحال فإن تضارب المصالح بين الحركتين وتضارب الايديولوجيات بالأساس والافكار ورؤيتهم للقضية الفلسطينية ومن عملية السلام وعدم الإقرار من أي طرف من الطرفين بشرعية الآخر، كان السبب الأساس لهذا الانقسام الذي لا زلنا نعيشه. صحيح ان فتح وحماس مع الفصائل الفلسطينية الأخرى مساهمين في الانتفاضة وضد الاحتلال الاسرائيلي، لكن الصراع الذي احتدم بينهما خدم الاحتلال واصبح من الأولويات، الهدف الأساس كان السيطرة على الشارع الفلسطيني، ويحاول كل طرف فرض اجندته على الآخرين. وبالتالي عدم اعتراف كل طرف بالآخر وبشرعية وجوده وعدم البحث عن الية للتعاون والتفاهم بينما. ناهيك عن غياب الرئيس ياسر عرفات والشيخ احمد ياسين، فهؤلاء كانا شخصيتات وازنتان بحيث تستطيع ان تشكل صمام امان على الرغم من كل الاختلافات ".

ويتوافق مع هذا الرأي محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا، والذي أشار بدوره إلى الخلاف العقائدي والايديولوجي المتعمق في جذور النزاع والانقسام بين حماس والسلطة المتمثلة بالسيطرة الفتحاوية، حيث قال: "هنالك اختلاف حقيقي موجود على الساحة الفلسطينية بين تيارات مختلفة، تيارات سياسية تحمل طابعاً أيديولوجياً، لكن بذور الانقسام زرعت في اليوم الذي اعلن فيه شارون عن خطة الانسحاب من قطاع غزة، فقد كان مدركاً ماذا يريد ولم يشأ أن ينسحب من غزة او يفكك المستوطنات من خلال الاتفاق مع السلطة الفلسطينية، انما الانسحاب أحاديّ الجانب لخلق حالة من الفوضى والارباك في الشارع الفلسطيني. باعتقادي هنا جرى زرع بذور الانقسام والشقاق للأسف الشديد، فهنالك اجندات عند البعض ، شعرت انها تستطيع ان تستفيد من حالة الفوضى وبالذات حركة حماس التي كانت تعترض على اقامة المشروع الوطني الفلسطيني وتريد ان تقيم لنفسها مشروعها الخاص. الى جانب ذلك وبعد انتخابات المجلس التشريعي التي فازت بها حماس بالأغلبية عام 2006، تساءل الكثيرون هل يمكن ان تنتقل السلطة ليد حماس بسلاسة؟ لكن حركة فتح وضعت خطوط عريضة للحكومة التي كان يريدها ابو مازن من اجل تشكيل حكومة، فحماس لن توافق على الخطوط العريضة التي حددها الرئيس، رغم انه منتخب وعنده الصلاحيات. وبالرغم من ذلك فقد اعطى الرئيس لحماس الفرصة لأن تشكل الحكومة حتى بدون الموافقة على المرجعية السياسية للسلطة الفلسطينية، والتي على اساسها اقيمت هذه السلطة وعلى اساسها جرت الانتخابات للمجلس التشريعي الذي فازت به حماس. بمعنى انه كان من غير الممكن ان تخوض الانتخابات للمؤسسة الحاكمة من اجل ان تنقلب على الاساس الذي تقف علية. في اعتقادي ان هذا الامر كان مرهوناً بالتناقض بين مهام السلطتين رئاسة وحكومة. هذا يقول انا انتخبت بشكل ديمقراطي وذاك يقول انا انتخبت بشكل ديمقراطي، علماً بأن المرجعية الاساسية هي منظمة التحرير وليست السلطة بكل ما يتعلق بالاتفاق السياسي، وبهذا جرى استهداف تغييب دور المنظمة بالقضايا المفصلية. الانقسام هو ثمرة عدد من العوامل الفكرية والسياسية وبمساهمة اسرائيلية كبيرة في زرع بذور الانقسام والنزاع على السلطة ومحاولة لإقامه جسر مع حركة الاخوان المسلمين".

وهناك رأي آخر للعينة حول أسباب الانقسام الذي خلقته فتح وحماس، حيث تعود الأسباب في نظرهم إلى الصراع على السلطة والمناصب السياسية وقيادة الشعب الفلسطيني ، وقد عبر عن هذا الرأي مجموعة من أفراد العينة من بينهم الدكتور أحمد الطيبي، حيث قال: " للأسف بأن السلطة والاحتراب عليها وغياب الديمقراطية الفلسطينية هو الذي ادى الى هذا الانقسام . وحين اتحدث عن السلطة فانا اعني السلطة - نتاج اوسلو وهي سلطة مقزمة منزوعة السيادة، ولذلك الاحتراب عليها والاقتتال لم يكن مبررا ابدا بهذا الشكل الدموي. لذلك انا سُئِلتُ في اكثر من مناسبة وقلت ان الانقسام والاحتراب هو من يملك مفتاح السجن مثل سجن غزة الكبير محاط من كل النواحي ومحاصر فعلياً، فهو سجن كبير واكبر سجن في العالم، وأيضاً من اسباب الانقسام غياب ثقافة الديمقراطية والحوار الهادف بين الفصائل، ولا شك ان الاحتراب على السلطة كان الأساس".

واتفقت معه في الرأي عضو الكنيست عايدة توما والتي تشغل منصب عضو كنيست، فأشارت إلى أن الانقسام كان سببه نتائج الانتخابات الفلسطينية الأخيرة التي افرزت حماس للسلطة، وعدم قبولها داخلياً وخارجياً، حيث قالت: " الانقسام رسمياً بدأ بعد نتائج الانتخابات التي افرزت حماس في السلطة، وانا اعتقد ان ردة فعل العالم كعدم تقبل الانتخابات، بغض النظر عن الضغط الذي مورس عالميا، عمّق الشرخ الذي كان بالأساس فكري عقائدي حزبي مصلحي داخل المجتمع الفلسطيني، وكان يمكن تداركه لولا الضغط الدولي القائم. فالانقسام جُذّر بطريقة التصريحات الامريكية وعدم الاعتراف بحماس كقائدة للسلطة، وبسبب التشكيلة وطريقة الانتخابات وما تم الاتفاق عليه بزيادة عدد المقاعد المرشحة للانتخابات مع ان حماس هي المسيطرة، هذه النتيجة لو كانت بفارق صوت افرزت فرق في الشارع الفلسطيني، ومن هنا اتت الضغوطات الأوروبية على الشارع الفلسطيني، لأنها لم تكن تريد أو تتوقع هكذا قيادة ، وقد استغلت فتح وحماس هذا الموقف بالانقسام. وارى انه لا يمكن أن يحدث انقسام من طرف واحد، ولا يمكن مقارنة رمي الناس من الابراج وكيف تصرفت فتح والحكومة في تلك الفترة باستعمال السلاح الفلسطيني ضد الصدر الفلسطيني".

وهناك رأي آخر أدلى به الدكتور جمال زحالقة وهو أن الخلاف على آلية المقاومة بين حماس والسلطة في حمل السلاح ، إذ أن حماس تؤيد السلاح ضد إسرائيل ، بينما فتح ترى أن الحل يتم من خلال الحل السلمي والمفاوضات ، وقال: " لنا موقف في القيادة العربية، ولكن الانقسام جاء متناقضاً بين مفهوم السلطة وبين مفهوم مقاومة الاحتلال، السلطة قائمة بناءً على اتفاقية اوسلو، وعلى منع المقاومة وعلى الحفاظ على الامن والاستقرار، بينما المقاومة هي التي تقاوم الاحتلال. هذا التوتر على الجبهة السياسية كان له ابعاد كثيره منها الخلاف على موضوع المفاوضات والخلاف على موضوع حمل السلاح، ونرى الاختلاف الايديولوجي العميق حيث ظهر هناك صراعين بشكل واسع، الصراع على السلطة والقوة والنفوذ والهيمنة والامر الثاني كان الخلاف على الموقف السياسي وعلى ادارة الصراع مع إسرائيل. ومنذ اتفاق اوسلو وهناك توتر شديد جدا بين حركة حماس الناهضة وبين فتح السلطة، هذا ادى الى انقسام لأنه في خلفية ذلك كان فوز حماس في الانتخابات ولكن حُرموا من السلطة، ونحن كنا دائما ضد الانقسام وقمنا ببعض الخطوات والتحركات لإنهاء الانقسام ولكن لم نوفق في ذلك مثل غيرنا أيضا".

وهناك راي آخر في أسباب الانقسام للشيخ رائد صلاح الذي رأى أن الانقسام سببه التدخلات الخارجية سواء أكانت عربية أم أجنبية، حيث قال: " انا اقول انه يمكن ان نقسم الاسباب الى سببين رئيسيين الاول عامل خارجي، حيث ان هناك بعض القوى وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، رفضت وجود أي خيار للديمقراطية في أوساط الشعب الفلسطيني رغم أن الانتخابات كانت نزيهة، الا ان هذه القوى التي ذكرتها رفضت هذه النتيجة واعتبرت ان الطرف الذي تم اختياره لا يجوز التعامل معه ووصفته بالارهاب. لا شك ان هذا احدث نوع من الارباك العميق بالمسيرة الفلسطينية وكان بالإمكان ان لا يحدث وان تتبلور مع الايام ظاهرة النضوج السياسي لدى الشعب الفلسطيني وظاهرة الموافقة على نتائج الانتخابات وتبني القيادة الشرعية، ولكن للأسف هذا الرفض عطل مثل هذا الطموح لدى الشعب الفلسطيني. ولذلك كان المراقبون وأصحاب المصلحة الدوليون يريدون نتائج مختلفة تعبيراً عن مصالحهم تجاه الفلسطينيين، بما معناه يريدون التحكم بضمير ورأي الشعب الفلسطيني. ولم يقف العامل الخارجي عند هذا الحد بل تعداه لاحقا لمحاولات فرض خيار واضح على السلطة، فما هي عليه الان مرهون بإما ان تُعرِض عن أي مصالحة فلسطينية او ان تتم عملية تضييع كل الامتيازات التي اعطيت لها. وقد اعتمدت فتح عدة خطوط منها فتح الباب للمفاوضات تحت شرط الموافقة على امتيازات تحصل عليها.

ولذلك وحتى الان هذا الدور لم يلغى وبقي قائماً ويستشري يوماً بعد يوم. وللأسف أن بعض الدول العربية اصبحت شريكاً بهذه اللعبة على حساب المصلحة الفلسطينية، على سبيل المثال الامارات الان لم تكتفِ بظاهرة الانقسام بين حكومة غزه وبين السلطة برام الله، بل يحاولون الان القيام بإحداث انقسام داخل حكومة ابو مازن، من خلال إبراز خط محمد دحلان وأقطاب مروان البرغوثي وابو مازن. وتم دعم بروز مجموعات في فتح نفسها فبدأوا يخلقون انقسام لما هو منقسم وتزداد حدة الانقسام وتفتيت للمسيرة الفلسطينية. ولا يمكن ان نعفي أحداً من ضرورة النقد الذاتي للمسيرة الفلسطينية، فهناك بعض القوى التي وقفت ولها ثوابت لا يمكن ان تتنازل عنها وبالمقابل يوجد قوى تبنت فلسفة الاستحقاقات السياسية للمرحلة التي تعيشها منذ بداية اتفاق اوسلو. في تصوري اذا وجدت هذه الامكانيات ونرى أن الوحدة الفلسطينية اصبحت شبه مستحيلة، ومن الممكن استمرار الحوار الفلسطيني لترتيب المواقف الفلسطينية ضد الممارسات الاحتلالية الاسرائيلية لأن الاحتلال يحاول ان يستفرد بالقطاعات الفلسطينية كل على حدة، وهذا يفسر كيف كانت جرأة الاحتلال للاعتداء على غزه وإعلان الحرب في الوقت الذي كانت فيه المواقف الرسمية لم ترتقِ للحدث اطلاقا، وكيف أصبح الاحتلال يستفرد بالقدس والاعتداءات الدائمة عليها، وارى ان السلطة الفلسطينية لم ترتقِ الى المستوى المطلوب بهذه القضية، وبتصوري لا يمكن فصل كل ما ذكرته عن الانقسام الفلسطيني ".

من خلال الآراء السابقة حول الانقسام نجد أنها تَفَرَّعَتْ إلى أربعة آراء رئيسية، وهي على النحو الآتي:

الأول: الرأي القائل بأن السبب هو الاختلاف الفكري والعقائدي والايديولوجي بين الحركتين، مما جعل عدم الاتفاق بينهما وما قاد إلى الصراع ومنذ بداية نشأة حماس، والذي أصبح واضح الملامح بعد انتخابات عام 2006.

والثاني: هو الاحتراب والاقتتال على السلطة، حيث ظهر بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وتنكّر السلطة لها.

والثالث: هو التدخلات الأجنبية والعربية التي لا تريد للديمقراطية الفلسطينية أن تتجلى، والتي تريد املاء سياساتها على السلطة الفلسطينية.

والرابع: هو اسلوب المقاومة الذي تتبناه الحركتين فتح وحماس، حيث ترى فتح في الأسلوب السلمي والتفاوض مع إسرائيل بينما حماس تريد استمرار القتال بالسلاح ضد الاحتلال.

وبعد أحداث غزة وبعد احتدام الصراع بين الحركتين وظهور بوادر شق الصف في الساحة الفلسطينية، كان للأشخاص المستهدفين بالمقابلات رأي. فقد أشار أسعد غانم إلى أنّ: " الانقسام هو ضربه تضر بالشعب الفلسطيني، اذ احدث شرخاً حقيقياً في جمهور الشعب الفلسطيني، تُضر بإمكانية ان نبني شعب لا يمكن أن يتحدى اسرائيل ودول الغرب. قوتنا أن يكون لدينا قدره على تماسك واحد لنخرج بالخطاب الواحد للجماهير العربية. هذا الانقسام أقام حالة من الثبات غير المنطقي – أي اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وهذا هو الحل برأيي، واعادة بناء المنظمة يعود على اساس سياق سياسي، وحل الدولتين لا يحل القضية الفلسطينية هذا ما يجب ان يفهمه ابو مازن".

واشارت عايدة توما بقولها :" اكيد هناك تأثير، ومن الخطأ ان ننظر للعالم بنفس الطريقة وان نفصل ونميّز بين الذين يفهموا (امتدادات حماس وفتح)، وبين العالم الذي يريد ان يجيز تمرير الاهداف الصهيونية والامبريالية. الطرف الاول: (مناصر) حيث شعر بالخذلان والانتكاسة الكبيرة وضُرِبَ بالعمق، فأهداف النضال الفلسطيني والجرائم التي حيكت ضد الشعب ضربت طموحاته وأعطى للحكومات الاسرائيلية فرصة لتنفيذ مخططاتها. أما الطرف الثاني: فيجب كشف حقيقة حماس وعلاقاتها مع اسرائيل فهي ليست حركة مقاومة ولا يمكن قراءة الانقسام بدون اخذ آخر التطورات في الخمس سنوات الأخيرة".

وقد أكد على ذلك الشيخ رائد صلاح الذي اعتبرها ضربة قاصمة في النسيج الوطني الفلسطيني، وعبر عن ذلك بقوله: "الحقيقة انه هناك وقائع لا يمكن ان نخفيها وهي عندما حدث الصدام العسكري في غزه في حينه، فلجنة المتابعة بادرت بدورها لرأب الصدع وذهبنا الى رام الله وتحدثنا مع ابو مازن وكان موقفنا اننا جئنا لنقول ان القضية الفلسطينية ملكٌ للجميع، ولم نستطع ان نتواصل مع غزه بسبب الواقع الامني وتوقفت جهودنا في حينه. فيما بعد حاولنا تجديد المحاولة مرة اخرى من لجنة المتابعة ولكن مره اخرى تعذر ان نكمل المسيرة وهذا طبعا ليس السبب الاساسي. فالذي نطمح به من القيادة الفلسطينية هو الا يتم الاتصال بنا اتصال حزبي بل يجب ان يتواصلوا مع لجنة المتابعة، وعلى قاعدة التواصل وليس الوصاية عليها ليتم الاحترام والتنسيق بيننا. هذا الشيء لم يؤدِ الغرض المطلوب من هذا التواصل معنا في الداخل الفلسطيني. لذلك حصل تقصير من طرف السلطة الفلسطينية ونحن قبلنا على انفسنا التواصل الفردي. فلو وقفنا وقفة واحدة كلجنة متابعة لحافظنا على هذا الاتصال وضبطناه. الان نطمح ان لا يكون دورنا دور المتفرج ولكن ان يكون لنا جزء نتحمله في مسيرة القضية الفلسطينية وكان هناك توجه، انه آن الاوان ان تجري انتخابات لكل الشعب الفلسطيني ويشاركها الداخل الفلسطيني. لا شك يوجد هنالك مسؤولية يتحملها اكثر من طرف في الدور الذي نتواصل به الان وهو ليس مرضي اطلاقا. ارى ان الحلول على صعيد صفنا الداخلي انه يجب اجراء انتخابات لجنة متابعه رئاسة وعضوية في الداخل الفلسطيني وان يكون بشكل مباشر وليس على نظام رؤساء واحزاب بل يتاح للشارع الفلسطيني ان يقول كلمته الاخيرة. عندها سيكون لنا الاعتبار الشرعي على المستوى المحلي والعالمي والان الشعوب تحترم الانتخابات في العالم. الان لجنة المتابعة خطت خطوة بسيطة جدا بانتخاب رئيس لجنة المتابعة من قبل المجلس العام، وهذه خطوة بالاتجاه الصحيح ويجب ان ندعم نجاح مسيرة لجنة المتابعة بكل ما يحتاج الامر ويجب ان نهيئ الارضية الى جانب ذلك ونصل لمرحلة ان نصارح شعبنا في الداخل الفلسطيني انه آن الاوان ان يتم انتخاب مباشر للجنة المتابعة العليا عضوية ورئاسة. اذا نجحنا به، اذن فلا بد ان يكون لنا مشاركة في انتخابات منظمة التحرير كمرجعية تحافظ على الثوابت الفلسطينية وهي تكون الحكم لكل ممارسات الحكومات والفصائل الفلسطينية والاجتهادات الفلسطينية، كل اجتهاد يصطدم مع هذا السقف سيكون له حكم البطلان في مسيرة الشعب الفلسطيني".

وهناك من أكد أن الاحداث في غزة والانقسام يصب في مصلحة إسرائيل التي حولت النزاع بين الفلسطينيين، وأضعفت واحدة من جبهاتها التي كانت دوماً تسعى لضربها فلم تستطع إلا من خلال زرع بذور الفرقة بين أقوى تيارين حزبيين وهما فتح وحماس، وأشار بذلك الدكتور إبراهيم جابر بقوله: " على المستوى السياسي ادى الانقسام الى قطيعة بين قطاع غزه والضفة وكان لها تأثير سلبي على المستوى الاجتماعي، اما على المستوى الاقتصادي ادى الامر بحصار قطاع غزه وقطع المعونات المادية من الدول المانحة. وهذا الامر ادى الى ارتفاع نسبة البطالة والفقر والوفيات والكثير من المرضى وعدم تمكن الطلاب من الخروج الى جامعاتهم، ونتيجة ذلك استقالت حكومة اسماعيل هنية. ولكن هناك بعض الدول التي عوضت النقص بالمال مثل قطر التي كان موقفها نوعا ما ايجابي من قطاع غزة بتحويل الاموال لها وايجاد فرص عمل وبناء بعض القرى والتجمعات السكنية هناك، وكان الثمن المقابل هو تجميد العلاقات الدينية مع ايران. لكن الموقف لم يكن يرضي مصر لأنها كانت وما زالت تشارك في عملية حصار غزة اكثر من اسرائيل، مع ان اسرائيل كانت تسمح بدخول معونات اقتصادية وطبية، ولكن الخطر كان من مصر لأنها تقوم بحصار خانق تجاه قطاع غزة. كما ذكرنا سابقا ان الانقسام يصب في مصلحة اسرائيل بالدرجة الاولى، فكانت حكومة اسرائيل تهدد ابو مازن إما ان يقبل بحماس او بإسرائيل كتهديد كلامي للسلطة الفلسطينية. لاحظنا كثيرا أننا توجهنا كلجنة متابعة وقمنا بزيارات لرام الله سواءً على مستوى لجنة المتابعة او كأحزاب عربية. القضية ان اسرائيل لها باع في عملية الانقسام الفلسطيني، القضية تحتاج الى وحدة الصف العربي وان يدرك الشعب الفلسطيني ان الانقسام لا يصب في مصلحتهم وانما في مصلحة الاحتلال الاسرائيلي، وايضا بعض الدول العربية الرجعية او الليبرالية والعلمانية التي تنظر الى الاسلام كإرهاب، هذا لا يمنع عرب 48 من اقامة مبادرات ومشاريع او رؤية معينة لربما يتم تقريب وجهات النظر، لكن انا استبعد ذلك".

لكن هناك رأي وموقف آخر يشير إلى أن تلك الأحداث أدت إلى اضعاف الموقف الفلسطيني عربياً ودولياً وبات ينظر للقضية الفلسطينية من زاوية الصراع بين فتح وحماس وليس من زاوية النضال الشعبي طويل الأمد ضد الاحتلال الإسرائيلي، أشار جمال زحالقة بقوله: " بالتأكيد ان الانقسام ادى الى اضعاف الموقف الفلسطيني بالأخص في المجتمع المدني حين نتحدث عن مجتمع اوروبي او امريكي كان هناك طعن في شرعية السلطة الفلسطينية، وكانت اسرائيل تستغل ذلك بان ابو مازن لا يمثل الفلسطينيين، لان هنالك انقسام، ولكن حين نقترب من حل انهاء الانقسام فإسرائيل تكون ضد لأنها المستفيد الوحيد من الانقسام وهذه الدعاية تلقى اذاناً صاغية. فالانقسام موجود بكل مكان بالعالم حتى الاحتلال الاسرائيلي فيه انقسام حول احتلال فلسطين، ففكرة الانقسام يجب ان لا تمس حقوق الشعب. الامر الثاني بالنسبة للانقسام فهو جزء من استراتيجية اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وتقسيمه وتجزئته والسيطرة على كل قسم على إنفراد. والان يأتي الانقسام ويساعد اسرائيل بذلك، ولا شك ان الانقسام ادى الى اضعاف الموقف الفلسطيني وتغييب للرؤية نحو العالم من حيث تقديم برنامج وطني بشكل مُجمع عليه. هذا الانقسام عطّل استمرارية النضال الشعبي ضد الاحتلال واصبح من الصعب تجميع الشعب الفلسطيني على مبدأ ورأي واحد، فالانقسام شجع اسرائيل بالعدوان على غزه، ونتائج الانقسام كانت نتائج كارثية بالمجمل على الشعب الفلسطيني".

كما وأن هناك رأي بخصوص أحداث غزة والانقسام بأنها أدت إلى تراجع الفضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وبدأت الجهود الدولية بدلاً من الضغط على إسرائيل للإفراج عن حقوق الفلسطينيين واتفاقياتهم، أصبحت تضغط على طرفي النزاع من أجل التوصل إلى اتفاق ومصالحة بينهما، حيث أشار عصام مخول بقوله: " اولا هنالك تراجع في مكانة القضية الفلسطينية بعد الانقسام، وتعمّقت العدوانية والعنف الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني، واثار التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني بخاصة في غزة والحصار ومسالة الانسحاب من غزة والتي كانت جزء من الاحكام على القطاع وليس التخلي عن غزة، كلها ادت إلى أنه عندما حدث الانقسام إما حيّد قوى كانت داعمة للقضية الفلسطينية او ساعد اسرائيل ان تلعب على التناقضات. فاسرائيل ليست معنية بالقضاء على حماس لا سياسياً ولا عسكرياً. اسرائيل كانت تستخدم حماس لكي تخضع الشعب الفلسطيني وبأن تسحق الناس البسطاء سحقاً لتعلم بهم اجزاء اخرى من الشعب الفلسطيني، وان تقنعهم بأن يتخلوا عن حلمهم بالاستقلال، ولكي تخلق اجيالاً جديدة من الناس الذين لا يعرفون غير اطلاق الصواريخ وإلى ما ذلك، وبحجة هذه الصواريخ فاسرائيل تغسل يديها يومياً من الحل السياسي ومن أي حل لتنفيذ القرارات الدولية. انقسام واستقلال حماس في غزة، رافقه تخلي عن الثوابت ضد السلطة الفلسطينية. من جهة حماس انشقت، ومن جهة السلطة الفلسطينية من اجل ان تحفظ مكانتها ازاء الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل والعالم الغربي قدمت تنازلات وقبلت بسياسات لا تليق مع المعركة الوطنية الاساسية وخصوصا في القضية الامنية وقضايا اخرى. واصبحت العزلة التي جلبتها حماس والتراجعات السياسية التي قدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية. هذا خلق وضعاً هابطاً بالقضية الفلسطينية بالرغم من كل التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الفلسطيني. القضية الفلسطينية ارتمت بأحضان الرجعية العربية، من الجامعة العربية والسعودية ومصر ودول الخليج وغيرها. قطر كانت متمسكة اكثر بحماس، تركيا تبنت حماس، وتبنت الاخوان المسلمين في مصر وما الى ذلك، ولذلك فما حاولت القضية الفلسطينية ان تمنعه خلال عقود، وان لا تكون لقمة سائغه في فم هذا النظام او ذاك، اصبحت فرصة للانقضاض على القضية الفلسطينية من قبل كل من يريد ان يؤثر في المنطقة، ويستخدم ويستغل القضية الفلسطينية من اجل التأثير. بهذا المعنى أصبح للاعداء واسرائيل في مقدمتهم ورعاتها (الدول الغربية)، فكان بالنسبة لهم وضع مريح واستطاعت ان تناور فيه بين الغضب على غزة ومسايرة السلطة الفلسطينية لتبرير العدوانية الاسرائيلية على غزة، لكن الذي دفع الثمن في النهاية الشعب الفلسطيني".

ويتفق معه في الرأي أسعد غانم بقوله: " برأيي نعم، وزن الفلسطينيين أصبح اقل بكثير ومثار سخرية أمام العالم ولأنفسنا وفي اسرائيل ايضا، وهذا أضعف نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال حتى دوليا والمستفيد الوحيد هي اسرائيل. اولا ادت الى تراجع المشروع الوطني الفلسطيني، وهو مشروع ازالة الاحتلال واقامة دولة فلسطينية، أدى هذا الوضع لعدم المصداقية وخيبة الأمل من الفلسطينيين أمام دول العالم من انهم لا يستطيعوا إقامة دولة، اما اقتصاديا فقد ادى ذلك الى سوء الاقتصاد وازدياد مستوى الفقر والبطالة".

ويشير الدكتور أحمد الطيبي إلى أن هذه الأحداث أثّرت على الوضع في غزة اقتصادياً واجتماعيا، وعمقت الفقر والمجاعات بسبب المضايقات التي فرضتها الدول على غزة، وكذلك الحصار على غزة وما نتج عنه، حيث أشار: " طبعا، انظر ماذا يحدث في غزة، الوضع اقتصاديا تضرر في غزة والضفة على حد سواء، النسيج الاجتماعي تضرر بقوة قبل الاقتصادي، حتى أنه برزت المشاكل داخل البيت الواحد والعائلة الواحدة، منهم من يؤيد فتح ومنهم من يؤيد حماس. فالوضع الاقتصادي متردي وحماس محاصرة من كل المداخل، والضفة ايضا لم تعش اقتصاداً سليماً بالمعنى الصحيح".

وفي رأي آخر يؤكد أن الوزن الفلسطيني في العالم قد تأثر بتلك الأحداث ، حيث أشار إلى ذلك محمد بركة بقوله: " النظرة العالمية للفلسطينيين تغيرت بشكل كارثي بعد الانقسام والظاهرة العالمية للفلسطينيين كانت تتكرر، حين كنت نائب سابق في الكنيست وكنت اواجه هذا النقاش دائما وبأنه يجب التفاوض مع الشعب الفلسطيني، كان البعض يحاول ان يشمت بنا بأن يقول مع أي قيادة فلسطينية تريد ان نتحاور حماس غزة او مع رام الله فتح، هذا على الصعيد المحلي. اسرائيل كان لها دور كبير في انتاج الانقسام، والترويج الدولي للاستفادة منه. بدون ادنى شك القضية الفلسطينية في وضع واهن وضعيف بعد الانقسام على المحافل الدولية. صحيح ان حركة التضامن الشعبية مع الشعب الفلسطيني بالعالم تراجعت بعد اوسلو بالأساس. بعد اتفاق اوسلو اعتقد البعض ان الدولة الفلسطينية ستقوم فقط بالمفاوضات، وان قضية التفاوض سائرة بشكل جيد ولا حاجة للتضامن الدولي. لكن سبب هذا الإنحسار للحركة التضامنية هو الانقسام، عندما لم يعد هنالك وضوح في المرجعية الفلسطينية في العالم، مثال وجود سلطتين وحكومتين وما الى ذلك. هذا الامر انسحب على الجاليات الفلسطينية في الخارج التي ايضا انقسمت فيما بينها في مختلف الدول الاوروبية بين الولاء لمنظمة التحرير والولاء لحماس او تعامل فصائل اليسار لوحدها، هذا ايضا لم يُضِفْ للتعاون الدولي الجاد والموحد مع القضية الفلسطينية وانعكس على الفلسطينيين في الشتات".

من خلال الإجابات لأفراد العينة حول هذا السؤال تبين أن الآراء، وأن كان فيها بعض التفاوت البسيط حول احداث غزة بعد الانتخابات والمواجهات المسلحة وأثرها على القضية الفلسطينية، وعلى العلاقات الفلسطينية الداخلية، وتأثيرها على عملية السلام مع اسرائيل وفي المواقف الدولية، فقد أجابوا على ذلك في أنها أثرت على الموقف الفلسطيني من خلال تراجع القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وكذلك النظرة السلبية التي اصبح ينظر اليها للفلسطينيين، وكذلك أثرت في العلاقات الفلسطينية والدول الخارجية، وكذلك أثرت على المشروع الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية وفي ضعف الموقف الفلسطيني أمام إسرائيل .

وأثرت تلك الأحداث على الشعب الفلسطيني من خلال الحصار وما نتج عنه من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي مر بها الشعب الفلسطيني ولا سيما في قطاع غزة الذي تأثر بتلك السياسة الغاشمة في الحصار، وكذلك الاقتتال الداخلي بين الحركتين وقتال الأخ لأخيه تحت مسمى الحزب والحركة التي ينتمي اليها.

إذن تركت تلك الأحداث على الشعب الفلسطيني آثاراً صعبة طالت كل فرد من افراد الشعب الفلسطيني، واثرت في السياسات الدولية، وفي ممارسة إسرائيل الضغط على الشعب الفلسطيني وعلى قيادته السياسية في تطبيق سياساتها، وازدياد وتيرة الاستيطان والاستيلاء على الأرض الفلسطينية.

ولكي تتحقق المصالحة بين حركتي فتح وحماس لم يعد ضرورياً طرح مزيداً من المبادرات، فهناك مبادرات كثيرة يمكن البناء عليها رغم أنه ينقصها الكثير، لكن النقص الأكبر لا يتعلق بالمبادرات وإنما بغياب الرغبة الحقيقية لدى الطرفين في إنهاء الانقسام بعد أن طوّرا قدراتهم على التعايش معه. في حين أن تحقيق التصالح الحقيقي بين فتح وحماس يستلزم صياغة عقد اجتماعي -سياسي فلسطيني، يُحدّد أساسيات المسألة الوطنية وخطوطها العريضة، يُلزم جميع الأطراف ويكون محصّناً من الفئوية والاستئثار ومن إغراءات السلطة والحكم في كل من رام الله وغزة. في نطاق ذلك فقط يمكن للطرفين أن يتعايش كل منهما مع الآخر، لكن ليس قبل ولوج كل منهما بمصالحتين؛ الأولى، مع المشروع الوطني لترميم علاقته به؛ والأخرى، مع ذاته لكبح ما تختزنه من نرجسية ونزعات إقصائية تحول دون تعايشه مع الآخرين. وقد تتم تلك المصالحة من خلال تبني تلك المقترحات:

أولاً- إعادة تعريف الأهداف الفلسطينية المرحلية والاستراتيجية، انطلاقاً من أساسيات المشروع الوطني بحدوده الجغرافية والديمغرافية. وما دام حل الدولتين قد تلاشى بسبب أوسلو، ولأن حل الدولة الواحدة ما زال يفتقد الواقعية بعد جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من العنصرية، يصير من اللازم على الفلسطينيين تحديد ما يريدون :دولةً أم حقوقاً وكيفية تحقيق ذلك.

ثانياً- تقييم الواقع الفلسطيني الحالي في ظل فشل استراتيجيتي التفاوض والمقاومة، وما تمخض عنهما من نتائج في العقدين السابقين، ما يجعل من الضروري طرح التساؤل التالي: هل الفلسطينيون اليوم هم بصدد تحرير وطن مُحتل أم إدارة سلطة تحت الاحتلال؟ إن كان الهدف تحرير وطن، كيف يمكن لذلك أن يتحقق في ظل التمسك بسلطة يقود التشبث بها إلى إضاعة أن تكون " المقاومة " شروط تحررهم؟ وبموازاة ذلك من الضروري أيضاً البحث في كيف يمكن ما دامت تتم خارج التوافق الوطني وتأتي في نطاق انقسام عميق والمستفيد الأول منه إسرائيل؟ الخروج من هذين المأزقين أمر مُلِح ويتطلب تحديد الموقف من جدوى السلطة القائمة، لكن ليس انطلاقاً مما تقدمه من خدمات للفلسطينيين، وإنما مما يُلحقه بقاؤها من ضرر على المشروع الوطني. كما من الضروري أيضاً إعادة النظر باستراتيجية المقاومة، ليس انطلاقاً مما تُكسِبه من نقاط لهذا الطرف أو ذاك، وإنما انطلاقاً مما يتركه المضي بها انفرادياً من نتائج تُبدّد الشروط المطلوبة لتحقيق المشروع الوطني.

ثالثاً- هيْكلة كل من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بصيغة تعزز التكاملية والتخصصية بينهما خدمةً للمشروع الوطني ولتطوير الأدوات الأنسب لتحقيقه، ويكون ذلك على أساس إعادة السلطة الفلسطينية للمنظمة لكن بعد تأهيل الأخيرة وإعادتها إلى مكانتها، الأمر الذي يمكن أن ينتج عنه ما تُحافظ على ما تم إنجازه مدنياً في العقدين السابقين، " سلطة تحرير فلسطينية" يمكن تسميته لكن ليس على حساب الحقوق الوطنية.

رابعاً- إنعاش الحياة الديمقراطية داخل الحركات السياسية الفلسطينية لتجديد بنيتها وبرامجها، عبر إجراء الانتخابات وعبر تبنّي صيغ فعالة للمراجعة والتقييم والمساءلة السياسية، لإكسابها الدينامية المطلوبة لحمل الوزن الثقيل لعملية التحرر والاستقلال.


  • 1

   نشر في 25 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
تصب جل الاراء في ان الانقسام والاختلاف بين الحركتين الفلسطينيتين ،لم يخدم القضية الفلسطينية بل اضعفها في الداخل والخارج،وبكل صراحة اعتقد ان حركة حماس هي اصدق في اهدافها من حركة فتح،ولكن اظن بصفة عامة ان هذا الخلاف سيصنع جبهة ثالثة هي جبهة الشعب الذي مل الصراعات التي لا طائل منها ،وهكذا انطلقت ثورة الجزائر فالصراع بين المفكريين الجزائريين قبل ١٩٥٤هو ما ساهم في توحد شبان واعين قادوا الثورة،بالنسبة لعرب الخارج نحن نتمنى ان تستقل فلسطين كاملة وان يعيش بني صهيون تبعات قهرهم لشعب ابي لسنوات طالت ،طرح قيم،بالتوفيق ،تحياتي لك ولكل شعب فلسطين الغالية.
0
د. علي ابو زايد
على فتح وحماس ارجاع السلطة لمنظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني
Salsabil Djaou
هي الطرف الثالث اذن ،وانا اتمنى ان تتوحد المقاومة ،اشكرك ،على الرد.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم











عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا