الاعتماد على الموهبة وحدها في مجال الكتابة ربما يكون جائزًا في مساحة القصص أو الخواطر وربما الروايات وأحيانًا الشعر: هذه الألوان الأدبية يمكن أن تكون مجردة، منعزلة عن المعارف، ومتصلة بفضاء النفس واهتماماتها ومشاعرها.
رغم ذلك يكون ضروريًا الاطلاع على كتابات في هذه الفنون لتجنب الجمود والتزود بأفكار.
ولو كان الأمر جماليًا صرفًا، وبعيدًا عن رسالة ما أو وجهة نظر مبنية على متابعة واطلاع وبحث لكان أسهل الخوض به، لكني دائمًا ما رأيت الكاتب شخصًا متماسك الفكر، لديه فلسفة ما، ومهتمًا بقضايا معينة، وربما لديه بعض الأهداف على المستوى الثقافي أو يهدف لإحداث تغيير ما في أفكار قرائه، وهو الأمر الأكثر صعوبة..
ما إن تكتب بعض العبارات المنسقة أو تدلي بدلوك في موضوع ما على مواقع التواصل الاجتماعي أو بين جماعة من المقريبن لتبدو صاحب وجهة نظر ، حتى يبدأوا بتشجيعك للكتابة، أو يعبرون عن إعجابهم بكلماتك، ومن الشائع هذه الأيام أن يسألك أحدهم: لماذا لا تكتب رواية؟ وكأن الأمر بهذه السهولة!
وبين هيبة الكتابة وسيل الكُتَّاب الجارف الخليق بتحطيم هذه الهيبة، يظل السؤال: إلى أي حد يجب أن أقرأ لأطلق على نفسي لقب "كاتب" ؟
يُقَال إن"القراءة أولاً والكتابة عاشرًا"، لكن كُتَّاب اليوم المتحمسين يصرون على وضع الكتابة أولاً، حتى منصات التدوين والقائمين عليها يضعونها أولاً، ربما أملاً في أن يبزغ الكُتَّاب الجيدون من وسط حشود المدعين.
يرى البعض أن الكتابة هي التي تصنع الكاتب لا العكس؛ لذا يضعون مبدأ "الكتابة للجميع" أساسًا ل "صناعةالمحتوى".
وبينما تنطلق موجة من النكات مع انطلاق معرض الكتاب في كل عام، يقف الغاضبون والمتهكمون على إسفاف بعض الكتب المنشورة حزانى على المستوى المتدني الذي تصل إليه الثقافة.
ربما ضياع هيبة الكتابة نتيجة لسهولة النشر، سهولة أن يكتب المرء فينشر ما يكتب ليتابعه جمهور بالإعجاب والتعليق، مع اتباع أساليب تجذب هذا الجمهور كنشر تفاصيل الحياة الشخصية لهذا الكتاب.
مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد متنفسًا للمقيدين، ومجالاً يمكن أن تصل من خلاله الآراء المحجور عليها..بميزاتها الكثيرة، كان علينا أن نتقبل عيوبها أيضًا وعزاؤنا أن الأدب الجيد يدوم بريقه و تُعرَف قيمته حتى بين آلاف من الأعمال الرديئة.
ثم أليس من الجيد أن يدون الجميع عن تجاربهم وقصصهم الخاصة، أن يشاركوا ما يعرفون ويعلقوا على الأحداث المختلفة؟ إنها الحرية!
لكن تظل التساؤلات تدور لدى من يفكر في سلوك هذا المجال والتفوق فيه: هل يمكن أن تكون الكتابة أولاً؟ وإن لم تكن، فمتى يعد المرء نفسه مؤهلاً للكتابة؟
-
مريم ناصفألاحق تناقضات النفس الإنسانية
التعليقات
واجد ان على المرء القراءة اولا قبل الكتابة
سلمت يداك على هذا الطرح الجميل واسأل الله ان يمن عليكِ بالصحة وراحة البال لنتمتع بجميل ما يخطُ بأناملك..
أن تبدي رأيك في أمر ما عن طريق الكتابة ، مسؤولية كبيرة لابد لأي منا ،يريد إيصال رسالة من خلالها ، أن يتحمل جميع جوانبها التي قد تكون صائبة و قد تكون مغلوطة تماما.
شكرا لك ثانية ، مقالك هذا ذكرني بالمبدأ الذي لطالما اعتبرته الشرط الأساسي للكتابة ...
"القراءة أولا ، بعد ذلك تأتي الكتابة " لأنه بالقراءة وحدها تستطيع بناء فكر متكامل تحكم فيه عن طريق المنطق لا العواطف .
قرات مقالاك..كنت ابحث عن شيء ما كان يلح علي بالسؤال:
هل الكتابة هي التي تصنع الكاتب حقا؟؟
حاولت اقناع نفسي بطرحك مريم حينما قلت ان البعض يرى ذلك لكن اتجرا قليلا و ليس ثمة من يحميني ربما من خطئي على ان الكاتب احيانا هو من يصنع الكتابة ليصنع جيلا مميزا من القراء..يصبح المقبلون على القراءة صنف فريد بل جديد تكون و نشا مع ظهور نجم ذلك الكاتب..ربما لانه تكلم و كتب و حاور عن جرح عميق تخبطت فيه روحه طويلا او ربما رافع من اجل اثبات حكم قوي لقضية هي في اساسها عادلة..لست ادري ما السبب الاساسي لكني تجرات بنوع من الخوف لاقول لك مريم ان : الكاتب هو من يصنع الكتابة.
ما رايك؟
وتهيئة الجو المناسب لفتح العقول وتغذيتها ومع المداومة وإكتساب خبرات متراكمة مع مرور الشهور والسنوات ، حينها سيشعر الفرد بميله القوى تجاه الكتابة