وقفت كثيرا مع أبيات الشعراء الجاهلين، وحديثهم مع الأطلال وعجز الأطلال عن الإجابة.
ومن ذاك قول عنترة.
أعياك رسم الدار لم يتكلم *** حتى تكلم كالأصم الأعجم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي *** وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
وقول النابغة
وقفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها، *** عَيّتْ جواباً، وما بالرَّبعِ من أحدِ
إن الكلام هو ما يحرك الحياة اليومية فهو وسيلة التعليم والتعلم، والتعبير عن المشاعر والعواطف، وهو عملة دائمة في تعاملات الناس المختلفة.
وإن كنا نقول رجل أفعال لا أقوال، فإننا لانذم الكلام إنما نذم عدم الفعل، ولذلك في قول آخر نقول - رجل ذو كلمة- وكانت العرب تستخدم القول بمعنى الفعل.
وليس المراد كلام اللغة بحروفها وأصواتها التى تتجمع فتكون الجملة ثم تتكون الكلمات لتبنى جملا ثم فقرات ثم هو الكلام، لكن المراد بالكلام في معناه الأعمق كل ما يٌفهم أو يصل به معنى.
ولذلك ليس الكلام كلام اللسان وفقط، فالعين تتكلم والقلب يتكلم واليد تتكلم وكذلك الجماد،
وهؤلاء الشعراء حينما ذهبوا للطل لم يكن الطلل عاجزا عن الكلام لكنه تكلم بما لا يفهمون، هم ذهبوا للديار يرجون منها أن تحدثهم عن أيامهم الخوالي مع المحبوبة ولكنها لا تتكلم إلا بالدمار الذي حل بالدار وفراق الأحباب.
لكن لما ذهب أمرؤ القيس للطلل قائلا
ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي
هل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي
وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ
قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ
هنا اتفق حديث الشاعر والطلل فأمده من الكلام ما يفهم.
فإن نظرت إلى الحياة سترى ظلال هذا المعنى ممتدة، فإن انعدام الفهم أو اختفاء الصورة لا يعنى بالضرورة انعدام المعنى، وذا يلزمك اختيار ما تفهم فى الحال والوقت المناسبين.
ولا يتوقف ذلك على الكلام وفقط بل تطبيقا لكل شيء تتعامل معه فى الحياة.
-
محمد أشرف درويشطالب جامعي 22 سنة أحب الكتابة