''باسم ربك الذي خلق''
رد على منتقدي حدث ''أكبر تجمع للقراء بأكادير''
نشر في 28 أكتوبر 2014 .
''اقرأ'' كلمة كرمها الله سبحانه و تعالى بجعلها أول ما نزل من الذكر المحفوظ، فما من أحد يتخذها شعارا له إلا و أفلح في شأنيه الدنيوي و الرباني. كلمة جعل الله فيها بركة، إذ قال عز من قائل في محكم تنزيله الكريم:
'' {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]
فبمجرد قرائتك لأول كلمة تنتقل إلى مكانة أرقى مما كنت عليه بضع لحظات من قبل. و كأن الله يساوي بين المؤمن و الذي يعلم في المنزلة، أو على الأقل في درجة الرفع. أو و كأن الإنسان يطلع على نفسه و هو يقرأ فيرى فيها إيمانه الذي يطمئن به قلبه. بل و أكثر من ذلك إذ يرفعك بها الله بين العباد، ألم يقل ربنا عز و جل:
{قلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]
و يكفي أن تتأمل شؤون الناس من حولك. فستجد من يقرأ أكثر دراية بالحياة و تجاربها و يستطيع إسقاط معارفه التي اكتسبها من القراءة كلما تسنت له الفرصة لفعل ذلك، و لتجدنه أكثر سعادة و رضى بالواقع ممن لا تقع عينيه على الورق.
القارؤون من يصنعون الغد، القارؤون من يحكمون العالم، القارؤون من يكتبون التاريخ. فالشاب الأمريكي ''نوردس ولي كيكون محبب فوجهو كأي عنيبة ، وشعرو مزيت، ووجهو فيه حب الشباب، وضعيف الشخصية'' هو ذلك الوسيم الذي أصبح رئيسا للبلاد بضع سنوات بعدها، أما ''الصحاح'' فإنهم يزدادون صحة مع الوقت و يصبحون بدناء يشتغلون في الماكدونالدز بأقل المرتبات و يقطنون أحياء تفتقر إلى الراحة و النظافة.
أما ابن الشمال ''البيطة أو ولد ماما و بابا'' هو المهندس الذي يبني المارينا و العمارات التي تؤلمك رقبتك و أنت تعد عدد دورها. هو ذلك الطبيب الذي تتجه إليه كلما آلمك عضو من جسمك. و لا تنسى أنه هو ذلك العبقري الذي وفر لك الحاسوب لتكتب عليه، و هو خبير الإتصالات الذي يصلك بالآخرين عن طريق الشبكة العنكبوتية التي بدونها لن يقرأ عنك أحد. دعوني أضحك, نعم يقرؤون عنك أيضا، فلولا القراء ما كانت تلك مكانتك. فشهرتك و قوت يومك مرهونان بتعداد قرائك، فاعلم أنك إن حاربت القراءة فإنك تحارب شيئا من نفسك.
و لا أعلم متى أصبحت القراءة لموليير نفاق اجتماعي. كل القراءة مفيدة و قيل أنه من تعلم لغة قوم آمن شرهم. و لا أدري من أين ابتلينا بمثل هذا الرياء الكتابي الذي هدفه عدد القراء، دعوني أضحك مرة أخرى، يحاربون القراءة بمقالات فارغة و محبطة هدفها جلب القراء، كمن يدعوك لمائدة بنية إقناعك أن الأكل مضر للصحة.
القراءة فعل فردي أو جماعي، فمثل هذه المبادرات ما هي إلا تحسيس للفرد و تقوية للجماعة و لربما أكبر تجمع للقراء في العالم على شكل ''اقرأ'' سيعطي ثماره و لو بزرع بذرة العلم في طفل أو طفلة يصبحون كتاب أو أدباء ممن يضاهون ''طه حسين'' أو ''نجيب محفوظ''، و لما لا التفاؤل و قد يكون نوبل المغرب للأدب بين هاته التلة التي لبت الدعوة.
القراءة غريزة غير مشبعة في مجتمعنا. أما باقي الغرائز البدنية، ألا يكفي أنها مشبعة و أن هذا الإشباع هو سبب تأخرنا في سلم الثقافة؟
''اقرأ''، ''اقرأ'' باسم ربك الذي خلق.
د.إ