من العبارات الشهيـرة التي تـداولتها الشعوب" الخبز لا يُغني عن الحرية "، وعبر مراحل التاريخ الإنساني عاش على كوكب الأرض أناسٌ لا يملكون خبزاً ولا حرية، وقد ظلت الحرية هاجس الإنسان؛ لأنها شطر الفطرة، فالأسوياء لديهم رغبة دفينة لامتلاك حرياتهم، لكن هذا النزوع نحو الحرية ربما فُقد عند كثير من البشر نتيجة ظروف مختلفة، وقد كان الكُتَّاب والأدباء في مقدمة هؤلاء البشر اللذين تعرضت حرياتهم للمصادرة والقمع؛ لأن الشرفاء منهم يسكنهم هاجس التغيير، ويدفعهم الطموح إلى عوالم مشرقة بالعدل والمساواة؛ ولأنهم الأقدر على الجهر بأفكارهم والتعبير عنها، كانوا هم الفئات الأبرز في قائمة ضحايا الأفكار، ويمكن القول بأنهم أنبياء بلا وحي.
ويُروى عن مسؤول الدعاية ( جوبلز) في الحزب النازي الألماني أنه كان يقول: " إذا ذُكرت الثقافة والمثقفون تحسست زناد مسدسي ".
تذكرت عبارة (جوبلز) وأنا أنهي قراءة كتاب ( يورغ ديتر كو غل) الذي عنونتُ به هذه الأسطر، فقد قدم يورغ في هذا الكتاب نماذج لأهل الأدب والفكر الذين خاضوا صراعات دامية من أجل الحرية ، فكانوا بحسب وصفه " علامات مضيئة ومحطات مهمة على طريق الوصول إلى رأي عام حر لا تقف أمامه عوائق ، أو عقبات".
وقد استوقفتني عباراته الأخيرة، كما استوقفتني أيضاً عبارات(حسن ياغي) الحماسية حين كتب مدخل الكتاب، فأخذ يوازن بين مراحل آفلة تجاوزتها الآداب الغربية خلال القرن التاسع عشر، وبين " ما يجري عندنا في القرن الواحد والعشرين" !
فقد أثار حديث(حسن ياغي) في ذهني مجموعة من التساؤلات حول حرية الكتابة، وحدود المكتوب، وإذا كانت الحرية أساس الوجود الإنساني وشرطه، فما مقدار الحرية التي يُسمح بها للكاتب في طرح أفكاره؟ وهل التعري الجسدي، يشبه التعري الفكري ؟ تساؤلات معلقة بلا إجابات، فالحياة بلا حرية لا تُحتمل، وبحرية كاملة تصبح فوضى، فمن يحدد مقدار الحرية، وعلى أي أساس تُقاس؟ إني أحاور نفسي كلما وجدت مثيراً هنا، أو بعض التعري هناك!
-
The sniper"نحن في صُلب الماضي، نصفنا اختراع، والنصف الآخر ذاكرة"