لكل زمان رجال ولكل ثورة قادة، وككل ثورات العالم كان قادة الثورات العربية شبابًا طموحًا يسعى إلى تغيير حال الشعب إلى الأفضل.
بدأت الثورة في العراق في ساحة التحرير في بغداد ثم امتدت إلى الأنبار وصلاح الدين وكركوك والموصل. بدأت الثورة ككل ثورة عفوية تطالب بإصلاح المفسدين والسارقين ومحاسبتهم، ولكنها تختلف عن باقي الثورات بأنها كانت بين مطرقة الحكومة الفاسدة وسندان داعش الذي سرعان ما انتهز الفرصة وتسلل إلى ساحات اعتصام في الموصل وصلاح الدين والأنبار ليسيطر على تلك المحافظات، وليبدأ عصرٌ جديد من توحش بعد أن عاش الشعب عصر الديكتاتوري ثم عصر الفاسدين ثم عصر المتوحشين.
سيطر داعش على مناطق قيام الثورة ضد الحكومة وبذلك خمدت نار الثورة في تلك المناطق تحت ضربات المتوحشين الجدد، لم يختلف الحال كثيرًا في بغداد وباقي المحافظات حيث مارست الحكومة سلطاتها الفاسدة للقضاء على قادة المتظاهرين منهم من اختطف وهناك من اغتيل وآخرون في سجون الدولة حالهم كحال باقي الأسرى بتهم كيدية في السجون.
مع اغتيال قادة المتظاهرين وخطفهم وسجنهم، والذي بقي آثر الاختباء خوفًا على أرواحهم، ظن الحكومة والمفسدون والسارقون أنهم أطفؤوا نار الثورة وهم غافلون عن أن أغلب الظن إثم فهم أخمدوا نار الثورة ليتركوها جمرة مستعدة لتحرق، مجرد هبة رياح خفيفة تجعلها تحرق ما حولها.
مع دخول داعش والسيطرة على مناطق شاسعة من الأراضي العراقية هب أغلب المتظاهرين والمطالبين بالحرية للوقوف بوجه داعش تاركين خلفهم الرغبة في التغيير لما بعد خروج داعش، ولكن لم تترك الأقدار فرصة للفاسدين والسارقين أن يسرحوا ويمرحوا دون حساب وعقاب، وبدل الرياح الخفيفة هبت عاصفة قوية أوقدت الجمرة من سباتها الطويل، ولأن تلك العاصفة مسألة حياة أو موت (أزمة اقتصادية) خرج المتظاهرون بأعداد أكثر من ذي قبل استكمالًا للثورة كأنهم كانوا يقولون فاصل ونعود.
بدأت الثورة الجديدة لتستكمل الثورة القديمة في المطالبة بمحاسبة الفاسدين وسارقي المال العام الذي أودى بالعراق إلى حافة الإفلاس، ولأن أغلب قادة المتظاهرين تم تصفيتهم جسديًّا أو فكريًّا أو معنويًّا، واكب موجة المتظاهرين قائد جديد، والقائد الجديد الذي نصب نفسه قائدًا للمتظاهرين لم يكن من عامة الشعب كما هو معروف في أغلب الثورات، ولكنه من صناع القرار السياسي وقائد لميليشيات تحمل السلاح خارج إطار الدولة ولديه كتلة برلمانية ووزراء في الحكومة العراقية، وحالهم كحال أقرانهم في البرلمانين ووزراء الفاسدين والسارقين.
نعم مقتدى الصدر هو الذي نصب نفسه قائدًا للمتظاهرين وإمامًا للمطالبين بالإصلاح، فهو يمتلك كتلة برلمانية مشاركة في البرلمان العراقي ووزراء في الحكومة العراقية وكذلك ميليشيات جيش المهدي ذات الباع الطويل بحرب طائفية وقتل أبرياء، والقائد الجديد يداه ملوثة بدماء العراقيين الأبرياء وبفساد نوابه ووزرائه في مفاصل الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
الذي يعاب على مقتدى الصدر أنه يمتلك ميليشيات تحمل السلاح خارج إطار الدولة وهذا خرق للقانون، وهو لديه نواب في البرلمان ووزراء وهنا تتبادر إلى الأذهان عدة تساؤلات:
كيف لصاحب الميليشيات التي تحمل السلاح خارج إطار الدولة وتخرق القانون وتلوثت يداه بدماء أبرياء في الحرب الطائفية أن يكون قائدًا للمطالبين بالإصلاح؟
المتظاهرون خرجوا ضد الفاسدين والسارقين في الحكومة العراقية السابقة والحالية، ومقتدى جزء من تلك الحكومة كيف من هو جزء من الحكومة أن يقود مطالب ضد الحكومة؟
كلنا نعرف أن الميليشيات تحتاج إلى تمويل بالمال والسلاح، ومقتدى الصدر الأب الروحي لميليشيات جيش المهدي وسرايا السلام، ما هو مصدر تمويل هذه الميليشيات ومن أين يأتي السلاح ومن هي الجهة الداعمة للميلشيات؟
مقتدى الصدر أعلن الإصلاح ومطلبه الرئيسي إلغاء نظام المحاصصة الطائفية النتنة! ميليشيات جيش المهدي وسرايا السلام ميليشيات عقائدية بمعنى أنها ذات اتجاه طائفي، فهو محسوب على الشيعة وأتباع آل الصدر (رحمه الله) كيف لمن يطالب بإلغاء الطائفية والدعوة إلى الوحدة أن يمتلك ميليشيات ذات اتجاه طائفي؟
أولى على مقتدى الصدر أن يعلن الإصلاح على نفسه وأتباعه وميليشياته والسير وفق القوانين وعدم خرقه، فالتغيير يبدأ بك وأتباعك وأزلامك وينتهي بغيرك.
لو فرضنا أن على قائد المتظاهرين أن يكون من الذين لم يشاركوا في الحكومة أو في عملية سرقة أموال الشعب، ولا يملك ميليشيات تصول وتجول في أرجاء الوطن دون حساب وعقاب، وأن يكون من عامة الشعب من الذين أكلوا من ما يأكل الفقراء، وشربوا من ما يشرب المحرومون، وسكن كما يسكن أصحاب الدخل المحدود، وعانى كما يعاني المهجرون، وقاسى الاعتقال التعسفي وحرارة الصيف في ظل انقطاع الكهرباء، وبرد الشتاء، هل سأكون مخطئًا في تصوري لصفات القائد الافتراضي؟
يا أيها الثوار ومن يسر بخطوات ثابتة ليصبح من الثوار، أحذركم وأنا أولى بالتحذير؛ إصلاحاتهم خدعة, وحروفهم معسولة مرة, وأقلامهم التي يكتبون بها إصلاحاتهم مسمومة, وعودهم حقن مخدرة، تبدأ ورقتهم إصلاحًا سنعمل، سنحارب الفاسد، سنوزع الثروات، حرف «سين» دلالة للمستقبل دلالة للتسويف وليستنزفوا حماسكم وإصراركم ليخمدوا به نار ثورتكم التي حرقت به عروشهم، احذروهم فهم شياطين بجسد ملاك تقدح عيونهم براءة وتثور براكين قلوبهم كراهية وحقدًا، احذروا يا أيها الثوار سيزرعون في طرقاتكم أشواكًا هم زرعوها وهم يقتلعونها لا خوفًا عليكم ولا حبًّا لطريقكم التي تسلكونها لكن! ليقولوا لكم لن تستطيعوا العيش بدوننا من سيحميكم من تلك الأشواك والأعشاب الضارة إذا نحن راحلون؟ ومن سيحمينا منكم إن أنتم باقون؟ يا أحبابي الثوار مفتاح مستقبلنا الجديد هو الحرية وتاريخ ومعالم آثارنا لأجيال قادمة، هي ساحات التحرير وميادينه التي سيزورها أحفادنا ليقولوا من هنا بدأ مستقبلنا، لا تتركوا معالمكم الأثرية من أجل وعود كاذبة من أناس طالما عرفنا عنهم الكذب والخداع والفساد.
لكل ثورة قادة ولكن ليس كل ثورة يكتب لها النجاح والسير نحو مستقبل مشرق, ولكن يا أحبابي الثوار إن كنتم تبغون مستقبلًا مزدهرًا لكم وللأجيال القادمة اختاروا القائد الذي سوف يسير بكم إلى بر الأمان ويعينكم على إصلاح الفاسدين ومحاربتهم.
-
Ashraf ALrekanyانسان يعشق الكتابة , ومغرم بقرأة الكتب.