قهوة بائع الجرائد
" لا يسافر المرء لكي يصل ، بل يسافر لكي يسافر .." يوهان غوته.
نشر في 16 نونبر 2017 .
على عتبات إحدى مقاهي مدن ألمانيا المحتضنة لنهر الدانوب التي دأبتُ على إرتيادها بشكلٍ يومي عند وصولي لأوروبا جلست لأحتسي قهوتي الساخنة للتخفيف من وطأة البرد الذي لم يعتد عليه جسدي الذي نشأ على حرارة الطقس و جفاف الهواء و رطوبة ضفاف الخليج العربي.
دخلتُ إلى المقهى بحثاً عن جرعة القهوة المعتادة ، فأول شيءٍ تعلمته خلال وصولي إلى هنا هي طريقة طلب قهوتي من المقهى فقلت للنادلة بلغةٍ ألمانيةٍ مترعةٍ بدفءٍ عربي : "آين كراميل ماكياتو كلاين" و تعني قهوة الكراميل ماكياتو بالحجم الصغير . أومأت النادلة برأسها لأنها تعرف بأنني لا أطلب شيئاً آخر سواه فقد حفظت قهوتي منذ اليوم الأول رغم كثرة زبائن هذا المكان .
الناس هنا لطفاءٌ جداً و لا يهتمون إلى الأشكال و الألوان و الملابس لأنهم قد اعتادوا على هذا التنوع ، أما أنا فقد كنت مرتدياً قبعة بائع الجرائد بلونٍ بني تتخللها خيوطٌٍ سوداء رفيعة ، لقد اشتهرت هذه القبعات بأوروبا في عشرينيات القرن الماضي مع ازدهار حركة الطباعة و نشر الصحف و لكنها لم تعد تستخدم كما كانت في الماضي لأن هذه المهنة قد اختفت مثل الكثير من المهن المندثرة في أوروبا عبر العصور المختلفة .
" لا يسافر المرء لكي يصل ، بل يسافر لكي يسافر .."، يوهان غوته.
كنت جالساً أقرأ رواية "المفقود" للروائية الكندية كيم إكلين بنسختها العربية و تجلس أمامي سيدة ذات ملامح أوروبية و تنظر إلي بشيءٍ من الدهشة و التعجب ! استغربت من نظراتها فلم أعتد هنا على هذه النظرات !؟ لقد عرفت بأنني عربي بعد رؤيتها للكلمات المطبوعة على الكتاب ، فسألتني عن الكتاب و أجبتها عنه و عن فحواه و محتواه . لقد صعقتُ من نظرتها للعرب فهي تقول بأننا نعرف هنا بأن العرب لا يقرأون فكيف تقرأ أنت من الأدب العالمي ؟ بدأتُ أشرحُ لها عن شعوبنا و ثقافاتنا و ما يحتويه تاريخنا من أسماء لامعة في الأدب و الشعر . تمكنت من تغيير نظرتها و اكتسبتها صديقةً لي تضاف إلى قائمة الأصدقاء .
يبقى السؤال المهم إلى متى سيظن الناس حول العالم بأن العرب لا يقرأون ؟! و هل العرب المغتربون قد مثلوا أوطانهم بشكلٍ مشرف أمام الأمم ؟ هل فعلاً نحن أمة لا تقرأ أم هي محض إتهامات و افتراءات ما أنزل الله بها من سلطان ؟
-
إبراهيم بن حاتمإماراتي الأصل رافديني الهوى عاشق على ذمة بغداد