في كنف الصباح ، يعتري كل منا إحساس بعصر جديد من عمره ، لكنه يريده أكثر عداد في الثواني من يوم الأمس، لا أعرف إن ما كنا نعي جيدا أن العمر ينقضي بنا و لا ندري
كل منا يستقبل يومه على اللياقة التي تليق بشخصيته و مظهره ، في مظهر المتواضعين عنوان للبساطة يوحده لون في اختيار تنسيق الألوان ، و في واجهة اختيار الفتيات الجميلات لوحة ألوان لإضاءة الوجه أكثر بما يتناسب و مطلب الأنوثة الحاضرة في أدوار الجمال و المباهاة في صفوف المعجبين بجسد يجمع بين الفكر و المظهر و لا يفرق بين الأمور الأكثر إعجابا بامرأة تحمل في عقلها الكثير من الآداب و الثقافة بأجندة أخلاق.
و في صنف الذكورة بذلات فاخرة بربطة عنق تتناسب و لونها الزاهي ، أحاول قدر المستطاع أن أقرأ أسطر عصر حديث يشترط الجمال مقياسا لأولوية الاختيار و الذوق الرفيع ، و لكني أحاول في كل مرة أن أجد مقاييس أخرى للرفعة و الرقي و إني أشترط الجمال و رجاحة العقل في اختيار المظهر اللائق عنوانا لرزانة العقل و نضجه، في ذوقي اختيار للمظهر اللائق بالاحترام و رقي الفكر ، حينما يبحر في سماء الانجاز بموسوعة الوقت التي لا تنتظر منا أحدا إن تأخر ، شخصيا أنجذب لترتيب اللون في اللباس و أركز في الاستماع على لغة المتحدث و مكونات الجمل ، فأربط بين المظهر و الفكر و أستخلص لب الشخصية الواقفة أمامي ، أحترم غنى الكلمات و شرود الذهن حينما يبحر في إيجاد الجمل الراقية و المعبرة في نفس الوقت ، أعطي متسعا من الوقت لمتحدثي و لا أسمح بأن أقاطعه ،لأني استمتع بالكلام و كل تجاوب مع لياقة المظهر المحترم ، يدفعني شعور الاحترام لان أعطي الجلسة حقها من الانتباه و لا أنظر إلى ساعتي إيذانا لي بالرحيل إلا و أنا أطالب أحيانا بتكرار الفكرة و الجملة و الهدف عن قصد مني و قد فهمت مسبقا محتوى الكلام ،لكني لا اترك من يحدثني ينتبه لي في طلبي ، في لياقتي دائما أشم رائحة عطر قديمة قبل عقد مواعيدي و لا ابدي منها زينة أو تفاخرا إلا ما كان لي شخصيا و كفاية ، لأن فيها الزهد و الكفاية لعصر أجد فيه السرعة تخطف منا راحة الاختيار ..لم نكن بالأمس هكذا نسرع الخطى و لم نكن
نختصر توالي المواعيد على اكتضاضها ، فأصبحت ألغي بعضها لأني لست على استعداد نفسي للقاء و أحيانا أضطر لعقدها فيما يخص مهنتي فأجد العالم مكتظ من حولي و لا أسمح لنفسي براحة جسد تليق بنزاهة كياني حينما يريد الانفراد ليرتاح ، علو في التنظيم و ترتيب في الأفكار لدى الكثير من المسؤولين و لكن جوانب شتى ملغاة من حياتهم ، منها ذاك التسوق على مهل و اختيار اللباس برفق و تلوين الرضى بالقناعة الكافية ، و منها التجول مع الأطفال و أكل ما طاب من الحلوى على حافة رصيف الحديقة اللامعة بالاخضرار ، أين نحن من ذاك الزمن الرائع المشبع لفضولنا النزيه ؟ ، ليته يعود عصرا ما و لو لأيام فقط ، لا نريده لسنوات ، فالسنوات في حد ذاتها في تعاقب للشهور و بسرعة مفرطة ، قد أجد رضى لمطلبي في الاستمتاع بالاختيار عند إحدى المحلات التي أتردد عليها دائما زبونة دائمة و لكني لا أستبدل قارورة العطر القديم في اختياري لأني لن أجيد اختيار الجديد و لو برفعة ذوق و امتياز للانتعاش ، و ما احتفاظي بعراقة عطري إلا لأنه مهدى لي من أعز الناس فكان التمسك بالذكرى لا يلبيه إلا استنشاق رائحة الذكرى الجميلة ، و هو ما قد نغفل عن لياقته خفية في أرواحنا في احتفاظنا بأحلى ذكرى ممن نحب و التي لا نجدها في أرقي المحلات لأنها تحمل السعادة بموسوعة أيامها التي عشناها في وقتها..
إذن تتنوع اختيارات الجمال و تتغير ملامح اللياقة من عصر لآخر ، و ما سيلي عصورا قادمة سيكون مكتضا بالزحام ، فلا بد من إعطاء أولوية لأذواقنا في اختيار الجمال بلياقة المظهر و غزارة الفكر و الأدب حتى لا يصنفها الجيل القادم أننا لا نقدر على مواكبة سرعة أخرى مفرطة ، لست أستبق الوقت و لكن أشدد على ضرورة الاهتمام باختيار اللياقة دائما مهما اكتضت أجنداتنا و مهما تنوعت واجباتنا و لو بشراء قارورة عطر منعش للروح يجدد فينا الطاقة و الانتباه و جعلها عادة متجددة كلما غادرنا مكتب عملنا في نهاية الأسبوع أو في خرجة من خرجاتنا نحو تغيير الأمور للأحسن ، فاختيار الذوق هو تغيير في حد ذاته و علينا احترام رغباتنا مهما تنوعت الآراء و العروض ، لآن الآراء تنتهي في النهاية الى رأي و رأيك و لا رأي يعلو فوق آرائنا فيما يخص الاهتمام
باللياقة نحو اختيار الأفضل ، لأن الأفضل يصنع منا التميز و يشعرنا بالراحة النفسية و نحن نتقدم في مسارنا للنجاح نحو الأفضل دائما.
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية