مُسميَّات لا تُحتَمل خِفتها.
" فما التأنيث لاسم الشمس عيب و لا التذكير فخر للهلال ".
نشر في 11 نونبر 2016 .
بمجرد وجودك في مكانٍ عامٍ يعج بالنساء و الرجال ؛ سرعان ما سيلفت انتباهك تلك الهمهمات و النحنحات و الكنايات بين أي زوجين ؛ خجلاً من مناداتها باسمها ، و كلما وقع نظري على بطاقات التهنئة أو تكريمات لحفلٍ ما؛ أجد " فلان .. و مدامته " ؛ بالرغم من ألفتي لهذه الجمل الاصطلاحية المستعملة ؛ إلا أنها تضحكني في كل مرة ؛ لأنها تذكرني بذلك القروي المهاجر الذي أضاع زوجه في أحد شوارع باريس ، وراح يسأل البوليس عنها بلغة ظنها فرنسية : " يا سير دخلك وين بلاقي هالسيرة ؟".
و لا يخفى على أصحاب المدامات و الفلانات أن فلانتك و مدامتك ، ليست من ضمن الحقول الدلالية لكل ما هو سيرة ومستيرة و سنيوره ؛ فهي ما إلا حذلقة متفرنجة حيث من البدهي أن المتفرنج يتفرنج غالبا بشقه الأفضل و المميز ـ طبعا ـ بعد أن يكون قد تفرنج في أمورٍ عدة لا غنى عنها في وقتنا الحاضر .
و من المعروف أيضا أن فلسفة ما بعد الحداثة تسعى إلى تماثل كامل و توحد بين الذكر و الأنثى ، كما وترفض الاعتراف بوجود الفروقات؛ فإن من حق أي امرأة أن يشير إليها زوجها بأسماءٍ يتبسم لها السامع إن لم يكن بشفتيه ففي قلبه و روحه ... وتلك أضعف الحقوق .
ولأن مثل هذا التبسم يستدعي وجود لفظة يَعني بها الرجل " شريكته " في الحياة ـ دون تفرقة ـ فإنه يتوجب عليه أن يختار لفظة يذكرها بها في وجودها أو غيابها ، كأن يقول : زوجتي ، صغيرتي ، ملاكي ، جنيَّتي أو أي شيء آخر ذو معنى و يحمل قداسة الحياة الزوجية المشتركة .
أو مثلا كأن يقتبس خيال أكثر ملوك فرنسا أرستقراطية و أناقة " لويس السادس عشر " ؛ الذي كان يذكر ماري أنطوانت أمام الشعب باسم " الملكة " ـ أحياناً ـ و باسم امرأتي ـ غالباً ـ دون أن يردعه ما في تلك الألفاظ من معاني دالة على العائلة و الحياة المشتركة بينهما .
ولأن مجتمعاتنا العربية تتخذ من المراوغة أسلوب حياة ، و لأنها ما زالت تنزلق في متاهات الفلسفة المادية ؛ كان على الرجل الشرقي أن يسمي زوجته أمام العائلة والأصدقاء باسم " العيال عندنا " أو حريمي التي تتخذ طابعا إسلاميا بحتاً ، و أمام الخدم باسم " الست " ، كما يحدث عند الشعب المصري ، فإذا ما أراد الرجل أن يسأل عن زوجه سأل: " هل عادت " ستك " إلى البيت ؟" .
يبقى السؤال البريء هنا لماذا يرفض الشرقي بأن يشير إلى زوجه " باسمها أمام العائلة و الأصدقاء و الغرباء ، أو أن يشير بلفظة " صغيرتي " ـ مثلا ـ كما بساطة لويس السادس عشر ؟
أما عن أفخم الاصطلاحات التي يرددها العربي قوله عن زوجتي " عيال " التي يذكرها بعد بلعة ريقٍ ثم صمت طويل مع لحظة تردد ، ثم الإشارة إليها بهذه الكناية العبقرية .
و لا أدري إن كانت هذه التسمية يدرجونها في حال أن وُجد أبناء أم لا ؟ أو لأن هذه اللفظة غالبا ما تشير إلى الحاجة و الرعاية و الاهتمام و السلطة الأبوية ؛ أي سلطة الزوج على زوجه . ؟
ثم صارت لفظة " العيال " فيما بعد " يا حجة " ـ طبعا ـ بفضل التطور الحاضر .
يبدو أن الفروق البيولوجية بين الذكر و الأنثى تنعكس بوضوح جلي على الميول و السلوك وطريقة التفكير، فلماذا لا نجد ذلك الرجل الذي يدعو إلى المساواة بينه وبين المرأة يستعير من " فلان وقرينته فلانة" بكل لياقة و أناقة وجمال ، مقام " فلان ومدامته الموقرة" أو " حرم فلان " ، و إذا ما سُنح للرجل بأن يذكر تلك القرينة فلماذا لا يقول : زوجتي/ امرأتي / جميلتي ، وليس العيال أو الحجة أو المدام .
أعترف بوجود ألفاظ أخرى أوجدها خجل العربي وحميته و غيرته ، ألفاظا محيرة حتى أني بلعت ريقي حينما سمعتها وهي لفظة " عقيلة " ؛ ولا أعلم إن كان علماء اللسانيون قد تأذوا من وقع هذه الكلمة الممزقة غشاء المسامع .
الأعجب من هذا كله أنك قد تجد امرأة تشير إلى صديقتها باسم والدها ، كأن تقول : " أم عبد الله " ظنا منها أن الإشارة الصريحة لاسمها قد يشعرها بالخجل، أو قد يؤذي شرفها ويشوه سمعتها و ينشر الفتنة و الفضيحة ، متناسية تماما أن ثمة أسماء لسيدات عظيمات مبشرات بالجنة قد تم ذكر أسمائهن في القرآن الكريم ، أمثال : مريم بنت عمران ، فاطمة بنت محمد و عائشة زوج الرسول .
فهلاّ رحمة يا إخوتي و يا أخواتي ، أجيرونا من وقع تلك المسميات التي ما لها حول ولا قوة ، وتنازلوا ولو كرما بأن تشيروا بأسماء النساء كما هي ؛ ريثما تتحفوننا بفطنتكم بألقاب سعيدة لا تضل ولا تغوي.
-
نُور ع .ن" لا أشياء أملكها ؛ لتملكني ".
التعليقات
ولاأجد سوى علامات الإستفهام تحوم فوق رأسي ،
باحثة عن إجابة توقفها .