هنا على الورق , تخرج كلمات حماسية ؛ تقول أشياءاً ترتدى زى مدرس ثانوي مُخلِص , يحيا على مبادىء التفان و اتقان العلم , ويؤمن تمام الإيمان أنه بحرف هجاء تُبنى الأمم .
عندما أُمسِك بقلمي , و أعزم على كتابة "مقال" , فوراً أُبَدِل ملابسي , وأُلقي بجسدي فى زي يصرخ بالوقار , لا أعرف لماذا علي فعل ذلك التقليد العجيب ؟!
لماذا أتأنق كما مُدراء المدارس فى زمن قديم ؛ زينه الإحترام , وطرزته الجديه .
لماذا أجلس هكذا كمن عليه واجباً مُقَدساً لا ينبغي أن يُفلِته من بين يديه .
ولكي أُخرِس ما بداخلي من ثرثرة , وأُشبِع ما لديكم من فضولِ
دعونا نتفق على أن الكتابة عمل مُقَدس , فرض روحاني , وعقلي ؛ علينا تأديته بما يليق به لا بنا .
في مقالي هذا آمل ألا يصفني البعض بالهوجاء أو الطائشة , و آمل ألا يرانى "كبار الكتاب " كاتبة مُراهقة , تستطرد فى المقدمة , ويأخذها الجهل الى طريقه , فتظن نفسها تعلم كل شىء , وهى عبثاً أن تكون كذلك .
مَن أنا ؟ ومَن أنتم ؟
لا أُريد صِدقاً أن أقف كالساسة أصحاب الخُطَب الرنانة , وأُشير بيدي اليُمنى فى انفعال لا محل له من الإعراب , و لا أرغب جدياً فى تقليد مُذيعي التليفزيون عندما يطرحون على ضيوفهم أسئلة تُشبه تلك المطروحة فى الإذاعة المدرسية .
كل ما يعنينى الآن هو أن نفكر معاً , نفكر دون أن يقطع نزهتنا الفكرية فواصل فوضوية ؛ تنتشلنا من أرض التأمل الى أرض جدباء , كل مَن فيها أصنام , و لا يميز صنم عن صنم الا كتلته ووزنه .
وما الكارثة فى أن نفكر معاً ؟ وما الكارثة فى أن نفكر أصلاً ؟!
يحضرني عبارة لمُعَلمي فى المرحلة الإعدادية عندما كان يقول بأعلى صوته فى فضاء الفصل :
أمرنا الله بإعمال العقل .. أمرنا الله بإعمال العقل " , وكان يتبعها برصة مقولات , وعبارات , وأدلة نقلية وعقلية
الجميع يومىء برأسه توكيداً على صحة ورجاحة الرأي , التلاميذ لا يزالون صغاراً !
لا يعرفون شيئاً حقيقياً عن العقل وقدراته .
لكننى الآن , وبعد هذة السنوات , أستطيع أن أُنصِف موقفي أنا وخمسة من زميلاتي فى الصف , عندما كنا لا نومىء بالموافقة كإشارة للإقتناع والفهم .
ولماذا نومىء أصلاً ؟ ونحن لم نفهم بعد !
وكيف نُصَدِق أتباع منهج الحفظ , والصم دون أن يفقهوا حرفاً , ودون أن يُفَقهونا نحن .
لقد كان مُعَلمي يُكَرر كنجم مسرحي مُمِل : " إعمال العقل .. إعمال العقل " , الى أن التصقت عبارته بأذهان الصغار , دون أن يعرفوا كيف لهذا العقل أن يعمل " ؟!
أعلم أننا لم نَعُد نحيا بعصور الجاهلية , ومن المتفق عليه أن عصور الظلام قد وَلَت , و أصبحنا أكثر حداثة , وتفاعلاً , ويقظه
لكننى أيضاً لازلتُ أسأل كما البلهاء الراسبة فى مادة التاريخ , و أُحَملق بعين مجهرية فى طبقات مجتمعنا وفئاته , أنظر اليه كما لو كنت لم أره من قبل , مجتمع زارته ثورات عدة ؛ خرج معها ولها
أتته قوة سياسية عدة ,أيدها واختلف معها , رضى بها , وثار عليها .
مجتمع لا زال يتنفس رغم تلوث الهواء !
أين هو من ذاته ؟
وحتى لا يسير حديثى على منوال الناصحين , وحتى لا أبدو مًصلِحة أو ثائرة لا تزال تتخبط
دعونا نكتفي فى هذا المقال من سلسلة مقالاتي القادمة "حرروا العبيد " فقط بأن نُفَكِر !
دعونا نأمر ذواتنا بأن تُفَكِر , و أنا معكم , أعدكم بأن أُفَكِر
أعدكم فى هذة اللحظة الهاربة من الروتين , ورتابة الزمن أن أُفَكِر
لا لن آخذ الأمور على عِلاتها , لن أفهم القضايا كما يُريدون لي أن أفهم
لن أُجيب دائماً ب "نعم " , سيكون ل "لا" نصيب فى الرد
لن أنظر لمرآتي نظرتي الخالية من أى تعبير
سأتمرد على تلك النظرة , من المؤكد أن كل يوم يأتينا يحمل الينا نظرة جديدة للحياة !
ولنكتفي الآن فقط بأن نُفَكِر معاً , و لا تنسوا أن تسئلوا أنفسكم :
ما الكارثة فى أن نُفَكِر أصلاً " ؟؟
-
أميرة الوصيفكاتبة قصة ورواية صدر لي : هؤلاء لا يأكلون الشوكولاتة .. منشورات عاطفية - السيدة سوزان وأخواتها