الفرق بيننا و بينهم .. ( في بيتنا ضيفان ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الفرق بيننا و بينهم .. ( في بيتنا ضيفان )

  نشر في 17 ماي 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

الفرق بيننا و بينهم .. ( في بيتنا ضيفان )

الإسلام دين جميل .. و أجمل ما فيه ، علاقته الإنسانية التي تميزهُ ، تلك اللحمة و الرحم التي جاء الإسلام بالحفاظ عليها ، شيء جميل جدا ، و لا يخفى على أحد أن الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم ، أوصى بترابط المجتمع الإسلامي ، و حث على إكرام الضيف ، بل إن قِرى الضيف ( بكسر القاف ، و هي كلمة تطلق على طعام الضيوف ) مذكور في القرآن الكريم ، و أن نبيان صالحان ، واحد منهما من أولي العزم من الرسل ، طلبا الضيافة من أهل قرية ، و هو دليل على فرض القرى ، و أنه من حق الضيفان .. لا يستطيع أحد لعمري أن ينكر كل هذا ، و لكن تعالوا بنا أيها الأحبة ، لنبتعد ألفا و أربعمائة و نيف عن مصدر الضوء ، عن النبراس المنير .. لنحط الرحال الآن في مجرة العربان الخاوية على عروشها .. مشاهد ، يمكن أن تجدها متواترة عند كثير من بيوت المسلمين اليوم !

الساعة تشير إلى 30 دقيقة بعد منتصف الليل في مجرة العربان .. يرن الهاتف في بيت فلان ..

ـ ألو السلام عليكم

ـ و عليكم السلام يا فلان .. كيف الحال ؟ هل من قِرى ؟

ينظر فلان في ساعته ، يزمجر في دواخله ، ثم يجيب بنفاق أصفر ، لأنه لا يستطيع في مجتمع عفن أن يقول الحقيقة :

ـ يا مرحبا بك تعال .. يقفل سماعة الهاتف ، و يلعن اليوم الذي تعرف فيه على هذه الأشكال ، و لكنه يلعن الشيطان في دواخله ، و يفعل من يؤمر ، ثم يحتسب أجره عند الله

ــــــــــــ

في بيت آخر

فلان ، منهك القوى .. يدخل إلى المنزل بعد تعب يوم شاق ، لا يروم إلا ما تيسر من طعام ، ثم مداعبة أولاده ، و وقت حميم مع أهله ، ليخلد بعده للنوم .. يدخل البيت ، فإذا بضيفان ، هكذا بدون استئذان ، أهلا و سهلا ، مرحبا بكم ، ينظر المسكين ، فيرى حقيبة كبيرة تشي بأن الضيفان قادمون لإقامة لا تقل عن أسبوع إذا لم يكن الأمر سيتجاوزه إلى الأسبوعين .. انتصف الشهر ، و ميزانية فلان لا تستحمل .. و لكن .. لأنه في مجتمع عفن ، سيذهب فلان إلى فلان ، و سيستلف منه مبلغا محترما من المال من أجل إقامة الضيفان .. خير له من أن لا يجد ضيفانه ما يأكلون ، ضيفان لا يرضون إلا بالنفيس من الطعام ، و إذا قدم لهم بسيطه ، ظنوا باهل المنزل السوء .. زيادة على عدم إحساس صاحب البيت بخصوصيته في بيته ، البيت الذي أوجده الله عز و جل للسكن و سكنى الروح ، جعله مملكة لأهل البيت ، يصبح خلال فترة إقامة الضيفان ، شيئا أشبه بالشارع ، يضطر صاحب المنزل على التصرف فيه كما يتصرف في الشارع على غير أريحيته ، مما يوقد عنده إحساسا بعدم الإستقرار المشوب بالحياء .

ــــــــــــ

في بيت آخر ، الساعة تشير إلى منتصف الليل ، فلان ، يريد أن يخلد للنوم ليستيقظ قبيل الفجر من أجل الإلتحاق بدوامه ، الضيفان في الغرفة الأخرى المجاورة ، يحلو لهم السهر أمام التلفاز بصوت مرتفع مع محادثات صاخبة تصله في غرفة نومه ، يتقلب يمنة و يسرة، كل شيء يبشر بليلة بيضاء ، و دوام متعب بطعم النوم ، و لأنه في مجتع عفن ، لا يستطيع فلان أن يطلب من ضيفانه أن يخفضوا صوت التلفاز لأجل أن لا يجرح مشاعرهم ، و يظهر بمظهر الجلف الحقير الذي لا يصون واجبات الضيافة ! فتمر الليلة بيضاء ، ثم يذهب إلى الدوام بنفس ثقيل ، و جفنين أثقل ، ليعود إلى بيته ليلا ، و قد تكرر المشهد ! فيصبح 

ـــــــــــــ

في بيت آخر .. الساعة تشير إلى منتصف الليل ، موعد اتصال طويل أقارب فلان .. مكالمة ستمتد إلى أكثر من نصف الساعة ، بدون أدنى احترام لخصوصية الوقت المتأخر ، و لا لموعد نوم أصحاب البيت ، و لا لأي شيء آخر !

هذه النماذج موجودة بكثرة في مجرة العربان المتخلفة ، و لا يتحرج أصحابها عن فعلها ، لأن المجتمع لم يعالجها أول الأمر فصارت أعرافا متفقا عليها ، أشياء لا تمت للإسلام و لا للأخلاق بصلة ، يفعلها المسلمون بدون أدنى تفكير في الآخر ،فتنتج مجتمعا أنانيا صرفا ، لا يفكر إلا في نفسه ألم يقل نبينا المختار في ما صح عنه .. و أورده البخاري في كتاب الأدب ..

«الضِّيَافَةُ ثَلَاثٌ , وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ» و معنى يحرجه ، أن يقع فيه نفسه من أخيه شيء فيغتابه ، أو يضيق بتصرفاته عنده فيأثم ؟ ألم يقل ربنا عز و جل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾

الإسلام نظام كامل تطرق لكل شيء يتعلق بحياة الإنسان المسلم ، حتى ذكر قوانين و أخلاق تعامل الأولاد مع والديهم وواجب استئذانهم عليهم ، فما بالك بالضيفان ، فلهم ما لهم من واجب الضيافة ، و عليهم ما عليهم من حفظ الإحترام الواجب بأهل البيت و ساكنيه ، أشياء جميلة جعلت هذا الدين أحسن الأديان ، يحفظ لكل ذي حق حقه ، فالله عليم حكيم بالإنسان ، و خصائصه ، و بما يصلحه و يرقى به ، حكيم في تشريعه ..

إن المتأمل لهذه الأشياء التي تتخلل العلاقات الإنسانية في مجرة العربان ، تجعله يدرك أشياء كثيرة مسكوت عنها تؤدي إلى الكثير من المشاكل الأسرية ، بدآ بما ذكرتُ ، و انتهاء ، باستحياء المضيفين بمصارحة الضيفان بما لا يقبلونه داخل بيوتهم ! و هذا ليس من الإسلام في شيء ، الإحترام يجب أن يكون حاضرا في التعامل بين كافة أفراد المجتمع ! فما معنى أن يتحول الإنسان إلى نفاق اجتماعي خالص ، لأنه لا يستطيع مصارحة الآخر بما لديه ، مما لاحظه من سوء معاملة أو خدش حياء و احترام

في مجرة أخرى بعيدة عن مجرة العربان ، مجرة الكرامة الإنسانية ، لا نجد حضورا لهذه المشاكل في المجتمع ، لأنه و بكل بساطة ، تطبق أخلاق الإسلام عمليا في الشارع ، و الضيافة ، و المنازل ، لا يوجد عندهم أشياء من قبيل أن يأتي الضيف بدون استئذان ، و لا أن يقيم عند المضيف أسبوعان مثلا ، و لا أن يزعجه في سويعات راحته ، بأشياء يعتقد هو أنه لا حرج فيها ! لا يمكن أن تجد ضيوفا يأتون و يحلون متأخرين إلى ما بعد منتصف الليل ، أو يزعجون أهله بعد العاشرة ليلا بالهاتف ، و لا يدعون أنفسهم بأنفسهم إلى منزله ! لا يمكن أن تجد في مجرة الألمان مثلا ، شخصا يغضب لأن شخصا اراد أن يزوره قال له ، لا تأت اليوم ، أجل الزيارة إلى ما بعد ، لا يمكن أن تجد ضيفانا ، يتدخلون في خصوصيات المنزل .. و الحقيقة أن هذا النظام السائد في مجرة الغرب ، هو هو النظام الإسلامي الذي أرادنا ربنا اتباعه في علاقاتنا ببعضنا البعض ، لا بد من الإستئذان ، و لا بد من اللطف ، و لا بد من إكرام الضيف ، دون الإخلال باحترامه !

لنرتقِ بسلوكاتنا ، فالإسلام يطبق هناك بشكل حرفي ، و نتخلى عنه نحن و نحن أهله ، ثم نتساءل بعد هذا كله ، لم نعيش الضنك ، و لم حياتنا هكذا هي بالرتابة متسمة !

طيب الله مجرتكم !

مهدي يعقوب


  • 5

  • يعقوب مهدي
    اشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة
   نشر في 17 ماي 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

" منذ 6 سنة
سيدي الفاضل،تحية تقدير لهذا القلم الذي تطرق إلى موضوع مسني فوجدته يعبر عني وعن الكثيرين،ودعني أضيف إلى أمثلتك التي عشناها مرارا،مثالا آخر لا يحدث إلا في مجرتنا على رأيك: الضيف الذي يطرق الباب دون سابق إنذار وقت الظهيرة،وحجته أنه أراد أن يقيل فلم يفلح.فقرر أن يصل رحمه ابتغاء الأجر.واش هاد النماذج تخليك تفكر في الرجوع
هنيئا لهاته المنصة هذا القلم
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا