بصمة الآدمي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بصمة الآدمي

تفاعل الانسان مع محيطه الاجتماعي والمادي

  نشر في 23 يوليوز 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

منذ ان بدأ الزمان دورته، والانسان في تفاعل مستمر ومضطرد مع ما حوله، خاصية لا يستطيع الانفكاك عنها، واننا عندما نتحدث عن المحيط الذي يحوي هذا الانسان، فاننا نتحدث عن عالمين اساسيين : عالم الاشخاص او ما يسمى بالمحيط الاجتماعي، وعالم الاشياء او ما يمكن تسميته بالمحيط المادي. ولكون سمة التأثير والتأثر خاصية ملازمة للجنس البشري، فغايتنا من خلال هذه السطور القاء نظرة خاطفة حول بصمة هذا الادمي التام الخلقة الضعيف القوة على محيطه في شقيه المادي والاجتماعي . ففي ما يخص الشق الاول، اي علاقة الانسان وتفاعله مع محيطه المادي –عالم الاشياء- فمن المهم ان نعلم ان الارض كانت في صورتها الاولى مهيأة ايما تهيئة، ومعدة ايما اعداد لاستقبال الجنس البشري ، منظومة متكاملة ومتوازنة لا ارتباك فيها، نظام كوني،ايكولوجي، بيئي، مناخي ....متناسب تناسبا تاما مع البنية البيولوجية والفيزيولوجية والنفسية للانسان ، دل على هذا قوله تعالى " ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها " الاعراف 56 ؛فالاصل في الارض انها صالحة بكل مكوناتها. لكنها طبيعة الادمي، لا يقبل الرتابة والثبات، لا يستطيع ان يمكث ناظرا الى هذه الصورة البديعة بدون تغيير ولو تطلب منه ذلك ان يستبدل الذي هو ادنى بالذي هو خير. هكذا، جعل الانسان يبسط يده ذات اليمبن وذات الشمال، املا في تحسين شيء مما بدا له ان به من النقص شيء، او يحتاج الى تجويد اكثر مما هو عليه على طبيعته. وقد مست يد الانسان عالم الاشياء من خلال ثلاثة مستويات : المادة، الزمان والمكان. عندما نتحدث عن المادة، فاننا نتحدث عن عناصر لا حصر لها، يعنينا منها في هذا المقام عنصرين اساسيين في حياة الكائن البشري : المأكل والملبس. فقد عمل الانسان منذ اول العصور على تغيير ما يأكل وما يلبس على ما كانا عليه في صورتهما البدئية، سواء من ناحية طريقة الانتاج او من ناحية طريقة الاستهلاك، فغير طريقة الزراعة ومواسمها واشكال واحجام الثمار؛ وهكذا مزروعات كثيرة كانت في صورتها الفطرية باشكال واحجام مخصوصة وفي مواسم مخصوصة، فلما طالتها يد الاسان تغيرت صورها ومواسمها، بل واصبحنا نرى بعضها –ان لم تكن كلها- يعمر على طول العام بلا انقطاع. والامر نفسه بالنسبة للباس، فانه كان يعتمد في العقود الغابرة على ما تنتج الطبيعة بدون تغيير ولا تحويل (الصوف، القطن ....)، اما الان فقد اصبحت رائحة الطبيعة في لباسنا ناذرة من فرط التحويل الذي طال هذه المواد . لم يتورع هذاالادمي عن ترك بصمته حتى على الزمن، طبعا لم يغير من ماهيته شيء،لكونه لايملك لذلك طولا،لكنه غير طريقة التفاعل معه . فتقسيم الى ليل ونهار، وتخصيص لكل منها انشطة معينة تتناسب وطبيعته، النهار للحركة والكد والنشاط، والليل للسكون والراحة والاطمئنان؛ هذا التقسيم لم يكن عبثا فطبيعة الجسم تناسبه، كل الهرمونات المسؤولة عن الحركة والنشاط تنطلق مع انطلاق النهار (الكورتزول مثلا ..)،بالمقابل فالغدد المسؤول عن افراز الهرمونات المحفزة للسكون والنوم ( الميلاتونين مثلا ) تكون في قمة نشاطها في اول الليل .غير ان هذا التقسيم لم يرق للانسان فبدل فيه وغير، سهر ونوم متأخر و.... وكما لحق التغيير المادة والزمان، فان المكان ايضا ناله ما نالهم؛ هكذا التي كانت تعتمد اول الدهر على معمار فطري ومكونات طبيعية ( طين، خشب، حجر ...) اضحت اليوم قائمة على مواد مسمومة (اسمنت، حديد....) ، اشكال والوان الصباغات الكيماوية .... اضف الى ذلك تسميم المكان بواسطة هذا الكم الهائل من الموجات الكهرومغنطسية التي ما عاد يخلو منها مكان ( موجات الهاتف، الاقمار الاصطناعية، الاشعاعات ....) . وخلاصة الامر كله، ان الانسان بقدر ما يغير من طبيعة مكونات الكون على غير كانت عليه اول وهلة، رغبة منه في تحسين ظروف عيشه، وتعديل ما يظن به النقص، وطلبا في حياة اكثر تقدما وحضارة، بقدر ذلك تكون درجة الافساد في الارض، ومن ثم ينعكس كل ذلك على حياته ومعيشته . وهكذا بعد ما لحق كل ما ذكرناه من مادة وزمان ومكان من تغيير بدأت تظهر –بل ظهرت- عواقب ذلك على الادمي ، انتشرت الامراض والعلل بمختلف انواعها النفسية منها والعصبية والعضوية ...سرطانات واوبئة وطفرات جينية لا قبل للانسان بمواجهتها . ان كل هذا لا يعني ابدا ان كل ما صنعته يد الانسان كان ضارا خبيثا، انما المقصود في هذا المقام ان الله ابى الا ان يظهر لخلقه عظيم صنعته وشديد قوته، والبون الشاسع بصمة الخالق وبصمة المخلوق .ويمضي ركب الحضارة وتتقدم العلوم وتتطور الابحاث، ومع ذلك لا يستطيع الانسان انتاج شيء صالح في اطلاقه فلا تكون له اضرار وسلبيات، وخير مثال على ذلك الادوية والعقاقير المستعملة اصلا لمحاربة الامراض التي اغلبها ناتجة عن تغيير الانسان للطبيعة، كل هذه العقاقير لا تكاد تجد فيها واحدا بدون اعراض جانبية، بل قد تكون هذه الاعراض اشد وطأة من الام المرض نفسه ( علاجات مرض السرطان مثلا ) . اما فيما يخص الشطر الثاني، والمتعلق بتفاعل الانسان مع محيطه الاجتماعي –اي عالم الاشخاص- فان اول ما دونه التاريخ عن هذا التفاعل هو الحوار الذي جمع ابني ادم، وقد صور القران –على الرغم من كونه ليس كتاب تاريخ – هذا الحوار بين هذين الاخوين الذين ينتميان لاول جيل للبشرية، والعبر من هذا المشهد لا حصر لها . ان اهم ما يمكننا استنتاجه هو السمة العامة التي ستطبع علاقة بني البشر بعضهم ببعض، علاقة يكون اكبر عناوينها البغي والظلم والطغيان "ولكن ليبلو بعضكم ببعض " محمد 4 .اضافة الى ذلك فان هذا الحوار رسم لنا الخريطة العامة التي سيتوزع عليها بنو البشر الى يوم القيامة، خريطة تضم قسمين لاغير : معسكر الظلمة ومعسكر المظلومين، طائفة الحق وطائفة الباطل .لقد كان مآل اول حوار وتفاعل بين الانسان واخيه هو القتل " فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله" المائدة 30 ومنذ ذلك الحين –اول الزمان- انتهت قصة قابيل وهابيل لكن ظاهرة قابيل وهابيل لم تنته بعد، لا تزال مستمرة وستبقى الى اخر الزمان . وهكذا يتبين لنا بجلاء مآل ومنقلب تفاعل الانسان مع محيطه المادي والاجتماعي، وبذلك تتلخص طبيعة بصمة الادمي في اهلاك الحرث والنسل كما جمعتها الاية 205 من سورة البقرة "واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل " بصمة قوامها الافساد، افساد الحرث والذي يرمز الى عالم الاشياء وافساد النسل الذي يرمز الى عالم الاشخاص ....



  • حسن ابوالقاسم
    موظف وطالب بكلية الحقوق مهتم بالفلسفةوالفكر ومحب لعلم الاجتماع
   نشر في 23 يوليوز 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا